Pas à pas... خطوة بخطوة

بحوث في النَفَسِيّة

إنسياق متموضع

Recherches Spirites


Dérive situationniste


« Naître, mourir, renaître encore et progresser sans cesse, telle est la loi »

« ولادة ثم ممات ثم ولادة مجددا مرة بعد أخرى، فتطور دون هوادة؛ تلك هي سنة الحياة !»

De l'âme à l'Esprit من الروح إلى النفس

خلافا لما يذهب إليه البعض، من باب التعريب الحرفي، من ترجمة Spiritisme إلى الأرواحية، فإني أعتقد أن أفضل ترجمة لهذه الكلمة هي ما ارتأيت وكما أبينه في هذه المدونة؛ فالترجمة الأفضل لكلمة Esprit هي النفس، بينما تبقى الروح مرادفة لكلمة Âme؛ وبذلك يكون التعريب الآصح لكلمة Spiritisme هو : النفسية، بتحريك النون والفاء.

Affichage des articles dont le libellé est الإسلام. Afficher tous les articles
Affichage des articles dont le libellé est الإسلام. Afficher tous les articles

L'Esprit en islam (10) الروح في الإسلام

في الفرق بين النفس والروح
مقتطف من كتاب 
الروح
في الكلام على على أرواح الأموات والأحياء
 بالدلائل من الكتاب والسنة
والآثار وأقوال العلماء 
لمؤلفه
محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله 
المعروف بابن قيم الجوزية
المسألة العشرون
 وهي هل النفس والروح شيء واحد أو شيئان متغايران؟

فأختلف الناس في ذلك.
فمن قائل : إن مسماهما واحد، وهم الجمهور.
ومن قائل : إنهما متغايران.
ونحن نكشف سر المسألة بحول الله وقوته، فنقول : النفس تطلق على أمور.
أحدها : الروح. قال الجوهري : النفس : الروح. يقال : خرجت نفسه؛ قال أبو خراش :
    نجما سالما والنفس منه بشدقه ... ولم ينج إلا جفن سيف ومئزر
أي بجفن سيف ومئزر. والنفس : الدم. يقال : سألت نفسه؛ وفي الحديث : ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه. والنفس : الجسد. 
قال الشاعر :
نبئت أن بني تميم أدخلوا ... أبناءهم تامور نفس المنذر 
والتامور : الدم. والنفس : العين، يقال : أصابت فلانا، أي عين.
قلت : ليس كما قال، بل النفس ها هنا الروح، ونسبة الإضافة إلى العين توسع لأنها تكون بواسطة النظر المصيب، والذي أصابه إنما هو نفس العائن كما تقدم. 
قلت : والنفس في القرآن تطلق على الذات بحملتها، كقوله تعالى : «فسلّموا على أنفسكم» (سورة النور، الآية : ٦١)، وقوله تعالى : «يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها» (سورة النحل، الآية : ١١١)، وقوله تعالى : «كل نفس بما كسبت رهينة» (سورة المدثر، الآية : ٣٨)؛ وتطلق على الروح وحدها، كقوله تعالى: «يا أيتها النفس المطمئنة» (سورة الفجر، الآية : ٢٨)، وقوله تعالى : «أخرجوا أنفسكم» (سورة الأنعام الآية : ٩٣)، وقوله تعالى : «ونهى النفس عن الهوى» (سورة النازعات، الآية : ٤٠)، وقوله تعالى : «إن النفس لأمارة بالسوء» (سورة يوسف، الآية : ٥٣). 
وأما الروح فلا تطلق على البدن لا بإنفراده ولا مع النفس، وتطلق الروح على القرآن الذي أوحاه الله تعالى إلى رسوله، قال تعالى : «وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا» (سورة الشورى الآية : ٥٢). 
وعلى الوحي الذي يوحيه إلى أنبيائه ورسله، قال تعالى : «يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق» (سورة غافر، الآية ١٥)، وقال تعالى : «ينزّل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فإتقون» (سورة النحل، الآية ٢)، وسمى ذلك روحا لما يحصل به من الحياة النافعة، فإن الحياة بدونه لا تنفع صاحبها البتة، بل حياة الحيوان البهيم خير منها وأسلم عاقبة. 
وسميت الروح روحا لأن بها حياة البدن، وكذلك سميت الريح لما يحصل بها من الحياة، وهي من ذوات الواو ولهذا تجمع على أرواح، قال الشاعر :
      إذا ذهبت الأرواح من نحو أرضكم ... وجدت لمسرها على كبدي بردا
ومنها الروح والريحان والاستراحة، فسميت النفس روحا لحصول الحياة بها، وسميت نفسا إما من الشيء النفيس لنفاستها وشرفها، وإما من تنفس الشيء إذا خرج، فلكثرة خروجها ودخولها في البدن سميت نفسا، ومنه النفَس بالتحريك، فإن العبد كلما نام خرجت منه، فإذا استيقظ رجعت إليه، فإذا مات خرجت خروجا كليا، فإذا دفن عادت إليه، فإذا سئل خرجت، فإذا بعث رجعت إليه. 
فالفرق بين النفس والروح فرق بالصفات لا فرق بالذات، وإنما سمي الدم نفسا لأن خروجه الذي يكون معه الموت يلازم خروج النفس، وإن الحياة لا تتم إلا به، كما لا تتم إلا بالنفس، فلهذا قال :
تسيل على حد الظباة نفوسنا ... وليست على غير الظباة تسيل 
ويقال : فاضت نفسه، وخرجت نفسه، وفارقت نفسه، كما يقال : خرجت روحه، وفارقت، ولكن الفيض الاندفاع وهلة واحدة، ومنه الإفاضة، وهي الاندفاع بكثرة وسرعة، لكن أفاض : إذا دفع بإختياره وإرادته، وفاض : إذا اندفع قسرا وقهرا، فالله سبحانه هو الذي يفيضها عند الموت فتفيض هي. 

فصل 
وقالت فرقة أخرى من أهل الحديث والفقه والتصوف : الروح غير النفس.
قال مقاتل بن سليمان : للإنسان حياة وروح ونفس، فإذا نام خرجت نفسه التي يعقل بها الأشياء ولم تفارق الجسد، بل تخرج كحبل ممتد له شعاع فيرى الرؤيا بالنفس التي خرجت منه، وتبقى الحياة والروح في الجسد فيه يتقلب ويتنفس، فإذا حرك رجعت إليه أسرع من طرفة عين، فإذا أراد الله عز و جل أن يميته في المنام أمسك تلك النفس التي خرجت. وقال أيضا : إذا نام خرجت نفسه فصعدت إلى فوق، فإذا رأت الرؤيا رجعت فأخبرت الروح ويخبر الروح فيصبح يعلم أنه قد رأى كيت وكيت.
قال أبو عبد الله بن منده : ثم اختلفوا في معرفة الروح والنفس، فقال بعضهم : النفس طينية نارية، والروح نورية روحانية. وقال بعضهم : الروح لاهوتية والنفس ناسوتية. وإن الخلق بها ابتلي. وقالت طائفة، وهم أهل الأثر : إن الروح غير النفس، والنفس غير الروح، وقوام النفس بالروح، والنفس صورة العبد، والهوى والشهوة والبلاء معجون فيها، ولا عدو أعدى لابن آدم من نفسه، فالنفس لا تريد إلا الدنيا ولا تحب إلا إياها، والروح تدعو إلى الآخرة وتؤثرها، وجعل الهوى تبعا للنفس، والشيطان تبع النفس والهوى، والملك مع العقل والروح، والله تعالى يمدهما بإلهامة وتوفيقه. 
وقال بعضهم : الأرواح من أمر الله أخفى حقيقتها وعلمها على الخلق. 
وقال بعضهم : الأرواح نور من نور الله، وحياة من حياة الله. 
ثم اختلفوا في الأرواح هل تموت بموت الأبدان والأنفس، أو لا تموت؟ 
فقالت طائفة : الأرواح لا تموت ولا تبلى. 
وقالت جماعة : الأرواح على صور الخلق لها أيد وأرجل وأعين وسمع وبصر
ولسان. 
وقالت طائفة : للمؤمن ثلاثة أرواح، وللمنافق والكافر روح واحدة. 
وقال بعضهم : للأنبياء والصديقين خمس أرواح. 
وقال بعضهم : الأرواح روحانية خلقت من الملكوت، فإذا صَفت رجعت إلى الملكوت. 
قلت : أما الروح التي تتوفى وتقبض فهي روح واحدة، وهي النفس. وأما ما يؤيد الله به أولياءه من الروح فهي روح أخرى غير هذه الروح، كما قال تعالى : «أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه» (سورة المجادلة، الآية : ٢٢). وكذلك الروح الذي أيد بها روحه المسح ابن مريم، كما قال تعالى : «إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدك بروح القدس» (سورة المائدة، الآية : ١١٠)، وكذلك الروح التي يلقيها على من يشاء من عباده هي غير الروح التي في البدن. 
وأما القوى التي في البدن، فإنها تسمى أيضا أرواحا، فيقال : الروح الباصر والروح السامع والروح الشامّ، فهذه الأرواح قوى مودعة في البدن تموت بموت الأبدان، وهي غير الروح التي لا تموت بموت البدن، ولا تبلى كما يبلى. ويطلق الروح على أخص من هذا كل، وهو قوة المعرفة بالله والإنابة إليه، ومحبته وانبعاث الهمة إلى طلبه وإرادته. ونسبة هذه الروح إلى الروح كنسبة الروح إلى البدن، فإذا فقدتها الروح كانت بمنزلة البدن إذا فقد روحه، وهي الروح التي يؤيد بها أهل ولايته وطاعته، ولهذا يقول الناس : فلان فيه روح، وفلان ما فيه روح، وهو : بَوّ، وهو قصبة فارغة، ونحو ذلك.
فللعلم روح، وللإحسان روح، وللإخلاص روح، وللمحبة والإنابة روح، وللتوكل والصدق روح، والناس متفاوتون في هذه الأرواح أعظم تفاوت، فمنهم من تغلب عليه هذه الأرواح فيصير روحانيا، ومنهم من يفقدها أو أكثرها فيصير أرضيا بهيميا؛ والله المستعان.

L'Esprit en islam (9) الروح في الإسلام

في حقيقة النفس
وعلاقة النفس بالروح
مقتطف من كتاب 
الروح
في الكلام على على أرواح الأموات والأحياء
 بالدلائل من الكتاب والسنة
والآثار وأقوال العلماء 
لمؤلفه
محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله 
المعروف بابن قيم الجوزية


المسألة التاسعة عشرة
وهي ما حقيقة النفس هل هي جزء من أجزاء البدن أو عرض من أعراضه أو جسم مساكن له مودع فيه أو جوهر مجرد وهل هي الروح أو غيرها وهل الإمارة واللوامة والمطمئنة نفس واحدة لها هذه الصفات أم هي ثلاث أنفس؟
فالجواب : إن هذه مسائل قد تكلم الناس فيها من سائر الطوائف، واضطربت أقوالهم فيها، وكثر فيها خطؤهم، وهدى الله أتباع الرسول أهل سنته لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم. فنذكر أقوال الناس وما لهم وما عليهم في تلك الأقوال، ونذكر الصواب بحمد الله وعونه.
قال أبو الحسن الأشعري في مقالاته : اختلف الناس في الروح والنفس والحياة، وهل الروح هي الحياة أو غيرها؟ وهل الروح جسم أم لا؟ فقال النظّام : الروح هي جسم، وهي النفس، وزعم أن الروح حي بنفسه وأنكر أن تكون الحياة والقوة معنى غير الحي القوي. وقال آخرون : الروح عرض.
وقال قائلون، منهم جعفر بن حرب، لا ندري الروح جوهر أو عرض (كذا قال) واعتلوا في ذلك بقوله تعالى : «ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي» (سورة الإسراء، الآية : ٨٥) ولم يخبر عنها ما هي، لا أنها جوهر ولا عرض. قال : وأظن جعفرا أثبت أن الحياة غير الروح أثبت أن الحياة عرض.
وكان الجبائي يذهب إلى أن الروح جسم، وأنها غير الحياة، والحياة عرض، ويعتل بقول أهل اللغة : خرجت روح الإنسان، وزعم أن الروح لا تجوز عليها الأعراض.
وقال قائلون : ليس الروح شيئا أكثر من اعتدال الطبائع الأربع ولم يرجعوا من قولهم (اعتدال) إلا إلى المعتدل، ولم يثبتوا في الدنيا شيئا إلا الطبائع الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.
وقال قائلون : إن الروح معنى خامس غير الطبائع الأربع، وأنه ليس في الدنيا إلا الطبائع الأربع والروح، واختلفوا في (أعمال) الروح فثبتها بعضهم طباعا وثبتها بعضهم اختيارا.
 وقال قائلون: الروح الدم الصافي الخالص من الكدر والعفونات، وكذلك قالوا في القوة.
وقال قائلون : الحياة هي الحرارة الغريزية.
وكل هؤلاء الذين حكينا أقوالهم في الروح من أصحاب الطبائع يثبتون أن الحياة هي الروح... 
... قال الرازي : وأما القسم الثاني : وهو أن الإنسان عبارة عن جسم مخصوص موجود في داخل هذا البدن، فالقائلون بهذا القول اختلفوا في تعيين ذلك الجسم على وجوه : الأول : إنه عبارة عن الأخلاط الأربعة التي منها يتولد هذا البدن.
الثاني : انه الدم. 
الثالث : إنه الروح اللطيف الذي يتولد في الجانب الأيسر من القلب وينفذ في الشريانات إلى سائر الأعضاء. 
الرابع : إنه الروح الذي يصعد في القلب إلى الدماغ، ويتكيف بالكيفية الصالحة لقبول قوة الحفظ والفكرة والذكر.
الخامس : إنه جزء لا يتجزأ في القلب. 
السادس : إنه جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم نورانى علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدهن في الزيتون، والنار في الفحم. فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف، بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكا لهذه الأعضاء، وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية. وإذا فسدت هذه الأعضاء بسب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن وانفصل إلى عالم الأرواح.
وهذا القول هو الصواب في المسألة، وهو الذي لا يصح غيره، وكل الأقوال سواه باطلة، وعليه دل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة.
ونحن نسوق الأدلة عليه على نسق واحد...
فصل
... المائة : ما قد اشترك في العلم به عامة أهل الأرض من لقاء أرواح الموتى وسؤالهم لهم، وإخبارهم إياهم بأمور خفيت عليهم، فرأوها عيانا، وهذا أكثر من أن يتكلف إيراده. 
وأعجب من هذا، الوجه الحادي والمائة : إن روح النائم يحصل لها في المنام آثار فتصبح يراها على البدن عيانا، وهي من تأثير الروح في الروح، كما ذكر القيراوني في (كتاب البستان) عن بعض السلف.
قال : كان لي جار يشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان ذات يوم أكثر من شتمهما، فتناولته وتناولي، فأنصرفت إلى منزلي وأنا مغموم حزين، فنمت، وتركت العشاء؛ فرأيت رسول الله في المنام، فقلت : يا رسول الله، فلان يسب أصحابك! قال : من أصحابي؟ قلت : أبو بكر وعمر. فقال : خذ هذه المدية فأذبحه بها. فأخذتها، فأضجعته وذبحته، ورأيت كأن يدي أصابها من دمه، فألقيت المدية، وأهويت بيدي إلى الأرض لأمسحها، فأنتبهت وأنا أسمع الصراخ من نحو داره، فقلت ما هذا الصراخ؟ قالوا : فلان مات فجأة! فلما أصحنا جئت فنظرت إليه، فإذا خط موضع الذبح. 
وفي (كتاب المنامات) لابن أبي الدنيا عن شيخ من قريش قال : رأيت رجلا بالشام قد أسود نصف وجهه وهو يغطيه، فسألته عن ذلك؟ فقال : قد جعلت لله عليْ أن لا يسألني أحد عن ذلك إلا أخبرته به. كنت شديد الوقيعة في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فبينا أنا ذات ليلة نائم، إذ أتاني آت في منامي، فقال  لي : أنت صاحب الوقيعة فيّ؟ فضرب شق وجهي، فأصبحت وشق وجهي أسود كما ترى. 
وذكر مسعدة عن هشام بن حسان، عن واصل مولى أبي عيينة، عن موسى بن عبيدة، عن صفية بنت شيبة قالت : كنت عند عائشة رضي الله عنها، فأتتها امرأة مشتملة على يدها، فجعل النساء يولعن بها، فقالت : ما أتيتك إلا من أجل يدي، أن أبي كان رجلا سمحا، وإني رأيت في المنام حياضا عليها رجال معهم آنية يسقون من أتاهم، فرأيت أبي، قلت : أين أمي؟ فقال : انظري، فنظرت فإذا أمي ليس عليها إلا قطعة خرقة، فقال : إنها لم تتصدق قط إلا بتلك الخرقة وشحمة من بقرة ذبحوها، فتلك الشحمة تذاب وتطرى بها، وهي تقول : واعطشاه! قالت : فأخذت إناء من الآنية فسقيتها، فنوديت من فوقي من سقاها أيبس الله يده، فأصبحت يدي كما ترين. 
وذكر الحارث بن أسد المحاسبي وأصبغ وخلف بن القاسم وجماعة عن سعيد بن مسلمة قال : بينما امرأة عند عائشة إذ قالت : بايعت رسول الله على أن لا أشرك بالله شيئا، ولا أسرق، ولا أزني، ولا أقتل ولدي، ولا آتي ببهتان أفتريه من بين يديّ ورجليّ، ولا أعصي في معروف، فوفيت لربي ووفى لي ربي، فوالله لا يعذبني الله؛ فأتاها في المنام ملك فقال لها : كلا، إنك تتبرجين، وزينتك تبدين، وخيرك تكندين، وجارك تؤذين، وزوجك تعصين! ثم وضع أصابعه الخمس على وجهها، وقال : خمس بخمس، ولو زدت زدناك. فأصبحت وأثر الأصابع في وجهها.
وقال عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك : سمعت مالكا يقول : إن يعقوب بن عبد الله بن الأشج كان من خيار هذه الأمة، نام في اليوم الذي استشهد فيه، فقال لأصحابه : إني قد رأيت أمرا ولأخبرنه، إني رأيت كأني أدخلت الجنة فسُقيت لبنا، فأستقاء فقاء اللبن، واستشهد بعد ذلك؛ قال أبو القاسم : وكان في غزوة في البحر بموضع لا لبن فيه. وقد سمعت غير مالك يذكره، ويذكر أنه معروف، فقال : إني رأيت كأني أدخل الجنة فسقيت فيها لبنا، فقال له بعض القوم : أقسمت عليك لما تقيأت، فقاء لبنا يصلد، أي يبرق، وما في السفينة لبن ولا شاة. قال ابن قتيبة : قوله : يصلد أي يبرق، يقال : صلد اللبن ومنه يصلد. ومنه حديث عمر أن الطبيب سقاه لبنا فخرج من الطعنة أبيض يصلد.
وكان نافع القارىء إذا تكلم يشم من فيه رائحة المسك، فقيل له : كلما قعدت تتطيب؟ فقال : ما أمس طيبا ولا أقربه، ولكن رأيت النبي في المنام وهو يقرأ في فمي، فمن ذلك الوقت يشم من فيّ هذه الرائحة. 
وذكر مسعدة في كتابه في الرؤيا، عن ربيع بن الرقاشي قال : أتاني رجلان، فقعدا إلىّ، فأغتابا رجلا، فنهيتهما، فأتاني أحدهما بعد فقال : إني رأيت في المنام كأن زنجيا أتاني بطبق عليه جنب خنزير لم أر لحما قط اسمن منه، فقال لي : كل، فقلت آكل لحم خنزير؟ فتهددني، فأكلت، فأصبحت وقد تغير فمي، فلم يزل يجد الريح في فمه شهرين. 
وكان العلاء بن زياد له وقت يقوم فيه، فقال لأهله تلك الليلة : إني أجد فترة، فإذا كان وقت كذا فأيقظوني، فلم يفعلوا. قال : فأتاني آت في منامي فقال : قم يا علاء بن زياد اذكر الله يذكرك، وأخذ بشعرات في مقدم رأسي، فقامت تلك الشعرات في مقدم رأسي، فلم تزل قائمة حتى مات. قال يحيى بن بسطام : فلقد غسلناه يوم مات وإنهن لقيام في رأسه. 
وذكر ابن أبي الدنيا عن أبي حاتم الرازي، عن محمد بن علي قال : كنا بمكة في المسجد الحرام قعودا، فقام رجل نصف وجهه أسود ونصفه أبيض، فقال : يا أيها الناس، اعتبروا بي، فإني كنت أتناول الشيخين وأشتمهما، فبينما أنا ذات ليلة نائم إذ أتاني آت، فرفع يده فلطم وجهي، وقال لي : يا عدو الله، يا فاسق، ألست تسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما؟ فأصبحت وأنا على هذه الحالة.
وقال محمد بن عبد الله المهلبي : رأيت في المنام كأني في رحبة بني فلان، وإذا النبي جالس على أكمة ومعه أبو بكر وعمر واقف قدامه، فقال له عمر : يا رسول الله، إن هذا يشتمني ويشتم أبا بكر. فقال : جيء به يا أبا حفص. فأتى برجل فإذا هو العُماني، وكان مشهورا بسبهما، فقال له النبي : أضجعه، فأضجعه، ثم قال : اذبحه، فذبحه. قال فما نبهني إلا صياحه، فقلت : مالي لا أخبره؟ عسى أن يتوب. فلما تقربت من منزله سمعت بكاء شديدا، فقلت : ما هذا البكاء" فقالوا : العماني ذبح البارحة على سريره. قال : فدنوت من عنقه فإذا من أذنه إلى أذنه طريقة حمراء كالدم المحصور. 
وقال القيرواني : أخبرني شيخ لنا من أهل الفضل قال : أخبرني أبو الحسن المطلبي أمام مسجد النبي قال : رأيت بالمدينة عجبا؛ كان رجل يسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فبينا نحن يوما من الأيام بعد صلاة الصبح إذ أقبل رجل وقد خرجت عيناه وسالتا على خديه، فسألناه ما قصتك؟ فقال : رأيت البارحة رسول الله وعلي بين يديه ومعه أبو بكر وعمر، فقالا : يا رسول الله هذا الذي يؤذينا ويسبنا. فقال لي رسول الله : من أمرك بهذا يا أبا قيس؟ فقلت له : عليّ، وأشرت عليه، فأقبل علي بوجهه ويده وقد ضم أصابعه وبسط السبابة والوسطى، وقصد بها إلى عيني، فقلت إن كنت كذبت ففقأ الله عينيك. وادخل أصبعيه في عينيّ، فانتهت من نومي وأنا على هذه الحال. فكان يبكي يخبر الناس، وأعلن بالتوبة. 
قال القيرواني : وأخبرني شيخ من أهل الفضل قال : أخبرني فقيه قال : كان عندنا رجل يكثر الصوم ويسرده، ولكنه كان يؤخر الفطر، فرأي في المنام كأن أسودين آخذين بضبعيه وثيابه إلى تنور محمى ليلقياه فيه. قال : فقلت لهما على ماذا؟ فقالا : على خلافك لسنة رسول الله، فإنه أمر بتعجيل الفطر وأنت تؤخره؛ قال : فأصح وجهه قد اسود من وهج النار، فكان يمشي متبرقعا في الناس.
وأعجب من هذا الرجل يرى في المنام وهو شديد العطش والجوع والألم أن غيره قد سقاه وأطعمه، أو داواه بدواء، فيستيقظ وقد زال عنه ذلك كله، وقد رأي الناس من هذا عجائب. 
وقد ذكر مالك، عن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة أن جارية لها سحرتها وأن سنديا دخل عليها وهي مريضة، فقال : إنك سحرت. قالت : ومن سحرني؟ قال : جارية في حجرها صبي قد بال عليها. فدعت جاريتها، فقالت : حتى أغسل بولا في ثوبي، فقالت لها : أسحرتني؟ قالت : نعم. قالت : وما دعاك إلى ذلك؟ قالت : أردت تعجيل العتق. فأمرت أخاها أن يبيعها من الأعراب ممن يسئ ملكها، فباعها، ثم إن عائشة رأت في منامها أن اغتسلي من ثلاثة آبار يمد بعضها بعضا، فأستسقى لها، فأغتسلت فبرأت.
وكان سماك بن حرب قد ذهب بصره فرأي إبراهيم الخليل في المنام فمسح على عينيه، وقال : اذهب إلى الفرات، فتنغمس فيه ثلاثا. ففعل فأبصر.
وكان إسماعيل بن بلال الحضرمي قد عمى، فأتي في المنام، فقيل له : قل يا قريب يا مجيب يا سميع الدعاء يا لطيف بمن يشاء رد على بصري! فقال الليث بن سعد : أنا رأيته قد عمى ثم أبصر. 
وقال عبيد الله بن أبي جعفر : اشتكيت شكوى، فجهدت منها، فكنت أقرأ آية الكرسي، فنمت، فإذا رجلان قائمان بين يدي، فقال أحدهما لصاحبه أن يقرأ آية فيها ثلاثمائة وستون رحمة، أفلا يصيب هذا المسكين فيها رحمة واحدة؟ فأستيقظت فوجدت خفة. 
قال ابن أبي الدنيا : اعتلت امرأة من أهل الخير والصلاح بوجع المعدة، فرأت في المنام قائلا يقول لها : لا إله إلا الله، المغلي وشراب الورد. فشربته فأذهب الله عنها ما كانت تجد. قال : وقالت أيضا : رأيت في المنام كأني أقول : السناء والعسل وماء الحمص الأسود شفاء لوجع الأوراك؛ فلما استيقظت أتتني امرأة تشكو وجعا بوركها فوصفت لها ذلك، فأستنفعت به.
وقال جالينوس : السبب الذي دعاني إلى فصد العروق الضوارب أني أمرت به في منامي مرتين. قال : كنت إذ ذاك غلاما. قال : وأعرف إنسانا شفاه الله من وجع كان به في جنبه بفصد العرق الضارب لرؤيا رآها في منامه.
وقال ابن الخراز : كنت أعالج رجلا ممعودا، فغاب عني، ثم لقيته، فسألته عن حاله، فقال : رأيت في المنام إنسانا في زي ناسك متوكئا على عصا وقف علي وقال : أنت رجل ممعود؟ فقلت : نعم، فقال : عليك بالكباء والجلنجبين، فأصبحت فسألت عنهما، فقيل لي : الكباء المصطكي والجلنجبين الورد المربي بالعسل، فأستعملتهما أياما فبرأت، فقلت له : ذلك جالينوس.
والوقائع في هذا الباب أكثر من أن تذكر. قال بعض الناس : إن أصل الطب من المنامات، ولا ريب أن كثيرا من أصوله مستند إلى الرؤيا؛ كما أن بعضها عن التجارب، وبعضها عن القياس، وبعضها عن إلهام؛ ومن أراد الوقوف على ذلك فلينظر في (تاريخ الأطباء) وفي (كتاب البستان) للقيرواني وغير ذلك.
مقتطف من
المسألة السابعة 
وهى قول للسائل ما جوابنا للملاحدة والزنادقة المنكرين لعذاب القبر وسعته وضيقه وكونه حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة وكون الميت لا يجلس ولا يقعد فيه :

... وأما رؤية المنام، فلو ذكرناها لجاءت عدة أسفار، ومن أراد الوقوف عليها فعليه (بكتاب المنامات) لابن أبى الدنيا و(كتاب البستان) للقيروانى، وغيرهما من الكتب المتضمنة لذلك، وليس عند الملاحدة والزنادقة إلا التكذيب بما لم يحيطوا بعلمه.

L'Esprit en islam (7) الروح في الإسلام

في مصير الروح بعد الموت
وأمر التجاسد 
مقتطف من كتاب 
الروح
في الكلام على على أرواح الأموات والأحياء
 بالدلائل من الكتاب والسنة
والآثار وأقوال العلماء 
لمؤلفه
محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله 
المعروف بابن قيم الجوزية


المسالة الخامسة عشرة وهى : أين مستقر الأرواح ما بين الموت إلى القيامة هل هى في السماء أم في الأرض وهل هي في الجنة أم لا وهل تودع في أجساد غير أجسادها التي كانت فيها فتنعم وتعذب فيها أم تكون مجردة؟
هذه مسالة عظيمة تكلم فيها للناس واختلفوا فيها، وهى إنما تتلقى من السمع فقط؛ واختلف في ذلك، فقال قائلون : أرواح المؤمنين عند الله في الجنة شهداء كانوا أم غير شهداء إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة ولا دين، وتلقاهم ربهم بالعفو عنهم والرحمة لهم، وهذا مذهب أبى هريرة وعبد الله بن عمر رضى الله عنهم. وقالت طائفة : هم بفناء الجنة على بابها يأتيهم من روحها ونعيمها ورزقها. وقالت طائفة : الأرواح على افنية قبورها.
وقال مالك : بلغنى أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت. وقال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله : أرواح الكفار في النار، وأرواح المؤمنين في الجنة. وقال أبو عبد الله بن منده : وقال طائفة من الصحابة والتابعين : أرواح المؤمنين عند الله عز و جل ولم يزيدوا على ذلك...
واما النصوص والآثار التي ذكر في رزق الشهداء، وكون أرواحهم في الجنة، فكلها حق، وهي لا تدل على انتفاء دخول أرواح المؤمنين الجنة، ولا سيما الصديقين الذين هم أفضل من الشهداء بلا نزاع بين الناس، فيقال لهؤلاء : ما تقولون في أرواح الصديقين هل هى في الجنة أم لا؟
فإن قالوا : إنها في الجنة، ولا يسوغ لهم غير هذا القول، فثبت أن هذه النصوص لا تدل على اختصاص أرواح الشهداء بذلك؛ وإن قالوا : ليست في الجنة لزمهم من ذلك أن تكون أرواح سادات الصحابة كابى بكر الصديق وأبى بن كعب وعبد الله بن مسعود وأبى الدرداء وحذيفة بن اليمان وأشباههم رضى الله عنهم ليست في الجنة، وأرواح شهداء زماننا في الجنة، وهذا معلوم البطلان ضرورة. 
فإن قيل : فإن كان هذا حكم لا يختص بالشهداء فما الموجب لتخصيصهم بالذكر في هذه النصوص؟ قلت : التنبيه على فضل الشهادة وعلو درجتها، وإن هذا مضمون لأهلها، ولا بد وإن لهم منها أوفر نصيب، فنصيبهم من هذا النعيم في البرزخ أكمل من نصيب غيرهم من الأموات على فراشهم، وإن كان الميت على فراشه أعلى درجة منهم، فله نعيم يختص به لا يشاركه فيه من هو دونه.
ويدل على هذا أن الله سبحانه جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، فإنهم لما بذلوا أنفسهم لله حتى أتلفها أعداؤه فيه أعاضهم منها في البرزخ أبدانا خيرا منها تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون نعيمها بواسطة تلك الأبدان أكمل من نعيم الأرواح المجردة عنها، ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير، أو كطير، ونسمة الشهيد في جوف طير، وتأمل لفظ الحديثين فانه قال : «نسمة المؤمن طير» فهذا يعم الشهيد وغيره، ثم خص للشهيد بأن قال «وهي في جوف طير» ومعلوم أنها إذا كانت في جوف طير صدق عليها أنها طير، فصلوات الله وسلامه على من يصدق كلامه بعضه بعضا ويدل على أنه حق من عند الله، وهذا الجمع أحسن من جمع أبى عمر وترجيحه رواية من روى أرواحهم كطير خضر، بل الروايتان حق وصواب، فهي كطير خضر، وفي أجواف طير خضر.
وقد ذكر أبو عبد الله بن منده من حديث عيسى بن عبد الرحمن، حدثنا ابن شهاب، حدثنا عامر بن سعيد عن إسماعيل بن طلحة بن عبيد الله، عن أبيه، قال: أردت مالي بالغابة، فأدركنى الليل، فأويت إلى قبر عبد الله بن عمر بن حرام، فسمعت قراءة من القبر ما سمعت أحسن منها، فجئت إلى رسول الله، فذكرت ذلك له، فقال : «ذلك عبد الله ألم تعلم أن الله قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت، ثم علقها وسط الجنة، فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم، فلا يزال كذلك حتى إذا طلع الفجر ردت أرواحهم إلى مكانهم الذي كانت به».
ففي هذا الحديث بيان سرعة انتقال أرواحهم من العرش إلى الثرى، ثم انتقالها من الثرى إلى مكانها؛ ولهذا قال مالك وغيره من الأئمة : إن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت، وما يراه الناس من أرواح الموتى ومجيئهم إليهم من المكان البعيد أمر يعلمه عامة الناس ولا يشكون فيه. والله أعلم.
فصل
ومما ينبغي أن يعلم أن ما ذكرنا من شأن الروح يختلف بحسب حال الأرواح من القوة والضعف والكبر والصغر، فللروح العظيمة الكبيرة من ذلك ما ليس لمن هو دونها. وأنت ترى أحكام الأرواح في الدنيا كيف تتفاوت أعظم تفاوت بحسب تفارق الأرواح في كيفياتها وقواها وإبطائها وإسراعها والمعاونة لها؛ فللروح المطلقة من أسر البدن وعلائقه وعوائقه من التصرف والقوة والنفاذ والهمة وسرعة الصعود إلى الله والتعلق بالله ما ليس للروح المهينة المحبوسة في علائق البدن وعوائقه؛ فإذا كان هذا وهي محبوسة في بدنه، فكيف إذا تجردت وفارقته واجتمعت فيها قواها، وكانت في أصل شأنها روحا علية زكيه كبيرة ذات همة عالية؟ فهذه لها بعد مفارقة البدن شأن آخر وفعل آخر. 
وقد تواترت الرؤيا في أصناف بنى آدم على فعل الأرواح بعد موتها ما لا تقدر على مثله حال اتصالها بالبدن من هزيمة الجيوش الكثيرة بالواحد والاثنين والعدد القليل ونحو ذلك، وكم قد رئى النبي، ومعه أبو بكر وعمر في النوم قد هزمت أرواحهم عساكر الكفر والظلم، فإذا بجيوشهم مغلوبة مكسورة مع كثرة عددهم وعددهم وضعف المؤمنين وقلتهم. 
ومن العجب أن أرواح المؤمنين المتحابين المتعارفين تتلاقى وبينها أعظم مسافة وأبعدها، فتتألم وتتعارف، فيعرف بعضها بعضا، كأنه جليسه وعشيره، فإذا رآه طابق ذلك ما كان عرفته روحه قبل رؤيته. 
قال عبد الله بن عمرو : إن أرواح المؤمنين تتلاقى على مسيرة يوم وما أرى أحدهما صاحبه قط (أخرجه الإمام أحمد في مسنده [الحديث : 7068] ج 2 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وأخرجه البيهقي في [41] كتاب الزهد [72-3] باب [الحديث : 17979]. وذكره الزبيدي في إتحاف السادة المتقين [6\182]، وذكره العراقي في المغني عن حمل الأسفار [2\159]، وذكره الهندي في كنز العمال [الحديث : 725]). ورفعه بعضهم إلى النبي. 
وقال عكرمة ومجاهد : إذا نام الإنسان فان له سببا يجرى فيه الروح وأصله في الجسد، فتبلغ حيث شاء الله ما دام ذاهبا فالإنسان نائم، فإذا رجع إلى البدن انتبه الإنسان، وكان بمنزلة شعاع الشمس الذي هو ساقط بالأرض، فأصله متصل بالشمس. وقد ذكر أبو عبد الله بن منده عن بعض أهل العلم أنه قال : إن الروح يمتد من منخر الإنسان، ومركبه وأصله في بدنه، فلو خرج الروح بالكلية لمات، كما أن السراج لو فرق بينه وبين الفتيلة. ألا ترى أن مركب النار في الفتيلة وضؤوها وشعاعها يملأ البيت؟ فكذلك الروح تمتد من منخر الإنسان في منامه حتى تأتى السماء، وتجول في البلدان، وتلتقي مع أرواح الموتى، فإذا أراه الملك الموكل بأرواح العباد ما أحب أن يريه، وكان المرئيّ في اليقظة عاقلا ذكيا صدوقا لا يلتفت في يقظته إلى شيء من الباطل رجع إليه روحه فأدى إلى قلبه الصدق مما أراه الله عز و جل على حسب خلقه، وإن كان خفيفا نزقا يحب الباطل والنظر إليه، فإذا نام وأراه الله أمرا من خيرا وشر رجعت روحه إليه، فحيث ما رأي شيئا من مخاريق الشيطان أو الباطل وقفت روحه عليه كما تقف في يقظته، فكذلك لا يؤدى إلى قلبه فلا يعقل ما رأي لأنه خلط الحق بالباطل، فلا يمكن معبر أن يعبر له وقد خلط الحق بالباطل.
وهذا من أحسن الكلام، وهو دليل على معرفة قائله وبصيرته بالأرواح وأحكامها.
وأنت ترى الرجل يسمع العلم والحكمة وما هو أنفع شيء له، ثم يمر بباطل ولهو من غناء أو شبهة أو زور أو غيره، فيصغي إليه، ويفتح له قلبه، حتى يتأدى إليه، فيتخبط عليه ذلك الذي سمعه من العلم والحكمة، ويلتبس عليه الحق بالباطل؛ فهكذا شأن الأرواح عند النوم. وأما بعد المفارقة، فإنها تعذب بتلك الاعتقادات والشه ! الباطلة التي كانت حظها حال اتصالها بالبدن، وينضاف إلى ذلك عذابها بتلك الإرادات والشهوات التي حيل بينها وبينها، وينضاف إلى ذلك عذاب آخر ينشئه الله لها ولبدنها من الأعمال التي اشتركت معه فيها؛ وهذه هي المعيشة الضنك في البرزخ والزاد الذي تزود به إليه.
والروح الزكيه العلوية المحقة، التي لا تحب الباطل ولا تألفه بضد ذلك كله، تنعم بتلك الاعتقادات الصحيحة والعلوم والمعارف التي تلقتها من مشكاة النبوة، وتلك الإرادات والهمم الزكية، وينشئ الله سبحانه لها من أعمالها نعيما ينعمها به في البرزخ، فتصير لها روضة من رياض الجنة؛ ولتلك حفرة من حفر النار.
فصل
وأما قول من قال : إن أرواح المؤمنين في برزخ من الأرض تذهب
حيث شاءت، فهذا مروى عن سلمان الفارسي؛ والبرزخ هو الحاجز بين شيئين؛ وكأن سلمان أراد بها في أرض بين الدنيا والآخرة مرسلة هناك تذهب حيث شاءت، وهذا قول قوى. فإنها قد فارقت الدنيا ولم تلج الآخرة، بل هي في برزخ بينهما؛ فأرواح المؤمنين في برزخ واسع فيه الروح والريحان والنعيم، وأرواح الكفار في برزخ ضيق فيه الغم والعذاب. وقال تعالى : «ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون» (سورة المؤمنون، الآية : ١٠٠)، فالبرزخ هنا ما بين الدنيا والآخرة، وأصله الحاجز بين الشيئين (ذكره الطبري في تفسيره [10\ 53]).
فصل
 وأما قول أبى محمد بن حزم : إن مستقرها حيث كانت قبل خلق
أجسادها فهذا بناء منه على مذهبه الذي اختاره، وهو أن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد (ذكره ابن عراق في تنزيه الشريعة [1\368]، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات [1\401]، وذكره السيوطي في اللآلي المصنوعة [1\199]، وذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة [الحديث : 382].).
وهذا فيه قولان للناس، وجمهورهم على أن الأرواح خلقت بعد الأجساد؛ والذين قالوا أنها خلقت قبل الأجساد ليس معهم على ذلك دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع إلا ما فهموه من نصوص لا تدل على ذلك أو أحاديث لا تصح، كما احتج به أبو محمد بن حزم من قوله تعالى : «وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا» (الأعراف : ١٧٢)، وبقوله تعالى : «ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا» (سورة الأعراف، الآية : ١١)؛ قال : فصح أن الله خلق الأرواح جملة وهي الأنفس، وكذلك أخبر عليه السلام «أن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» (أخرجه البخاري في [60] كتاب : الأنبياء [2] باب : الأرواح جنود مجندة [الحديث : 3336]، وأخرجه مسلم في [45] كتاب البر والصلة [49] باب : الأرواح جنود مجندة [الحديث : 159]...)، قال: وأخذ عز و جل عهدها وشهادتها وهي مخلوقة مصورة عاقلة قبل أن يأمر الملائكة بالسجود لآدم وقبل أن يدخلها في الأجساد، والأجساد يومئذ تراب. وقال : لأن الله تعالى خلق ذلك بلفظه ثم التى توجب التعقيب والمهلة، ثم أقرها سبحانه وتعالى حيث شاء، وهو البرزخ الذي ترجع إليه عند الموت. 
وسنذكر ما في هذا الاستدلال عند جواب سؤال السائل عن الأرواح هي مخلوقة مع الأبدان أم قبلها، إذ الغرض هنا الكلام على مستقر الأرواح بعد الموت، وقوله: إنها تستقر في البرزخ الذي كانت فيه قبل خلق الأجساد مبنى على هذا الاعتقاد الذي اعتقده، وقوله : إن أرواح السعداء عن يمين آدم، وأرواح الكفار الأشقياء عن يساره حق، كما أخبر به النبي، وقوله: إن ذلك عند منقطع العناصر لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، ولا يشبه أقوال أهل الإسلام؛ والأحاديث الصحيحة تدل على أن الأرواح فوق العناصر في الجنة عند الله، وأدلة القرآن تدل على ذلك؛ وقد وافق أبو محمد على أن أرواح الشهداء في الجنة، ومعلوم أن الصديقين أفضل منهم، فكيف تكون روح أبى بكر الصديق وعبد الله بن مسعود وأبى الدرداء وحذيفة بن اليمان وأشباههم رضى الله عنهم عند منقطع العناصر، وذلك تحت هذا الفلك الأدنى وتحت السماء الدنيا، وتكون أرواح شهداء زماننا وغيرهم فوق العناصر وفوق السموات؟! ...
فصل
وأما قول من قال : إن مستقرها بعد الموت أبدان أخر غير هذه الأبدان، فهذا القول فيه حق وباطل. 
فأما الحق، فما أخبر الصادق المصدوق عن أرواح الشهداء أنها في حواصل طير خضر، تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، هي لها كالأوكار للطائر، وقد صرح بذلك في قوله : «جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر».
وأما قوله : «نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة» (أخرجه النسائي في [21] كتاب الجنائز [117] باب أرواح المؤمنين وغيرهم [الحديث : 2072]، وأخرجه الترمذي في [23] كتاب فضائل الجهاد [13] باب ما جاء في ثواب الشهداء [الحديث : 1641]، وأخرجه ابن ماجه في[37] كتاب الزهد [32]، باب ذكره القبر والبلى [الحديث : 4271]...) يحتمل أن يكون هذا الطائر مركبا للروح كالبدن لها، ويكون ذلك لبعض المؤمنين والشهداء، ويحتمل أن يكون الروح في صورة طائر، وهذا اختيار أبى محمد بن حزم وأبى عمر بن عبد البر، وقد تقدم كلام أبى عمر، والكلام عليه، وأما ابن حزم فانه قال : معنى قوله «نسمة المؤمن طائر يعلق» هو على ظاهره، لا على ظن أهل الجهل، وإنما أخبر أن نسمة المؤمن طائر يعلق، بمعنى أنها تطير في الجنة، لا أنها تمسخ فى صورة الطير. قال : فإن قيل : إن النسمة مؤنثة، قلنا : قد صح عن عربي فصيح أنه قال : أتتك كتابي فاستخففت بها، فقيل له : أتؤنث الكتاب؟ قال : أوليس صحيفة؟ وكذلك النسمة تذكر كذلك؛ قال : وأما الزيادة التي فيها أنها في حواصل طير خضر، فإنها صفة تلك القناديل التي تأوي إليها، والحديثان معا حديث واحد.
وهذا الذي قاله في غاية الفساد لفظا ومعنى، فإن حديث نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة غير حديث أرواح الشهداء في حواصل طير خضر، والذي ذكره محتمل في الحديث الأول، وأما الحديث الثاني فلا يحتمله بوجه، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن أرواحهم في حواصل طير، وفي لفظ : في أجواف طير خضر، وفي لفظ : بيض، وأن تلك الطير تسرح في الجنة فتأكل من ثمارها وتشرب من أنهارها، ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش هي لها كالأوكار للطائر، وقوله : إن حواصل تلك الطير هي صفة القناديل التي تأوي إليها خطأ قطعا، بل تلك القناديل مأوى لتلك الطير، فهاهنا ثلاثة أمور صرح بها الحديث : أرواح، وطير هي في أجوافها، وقناديل هي مأوى لتلك الطير. والقناديل مستقرة تحت العرش لا تسرح، والطير تسرح وتذهب وتجيء ،والأرواح في أجوافها.
وإن قيل يحتمل أن تجعل نفسها في صورة طير، لا أنها تركب في بدن طير، كما قال تعالى : «في أي صورة ما شاء ركبك» (الانفطار : ٨) ويدل عليه قوله في اللفظ الآخر ك «أرواحهم كطير خضر»، كذلك رواه ابن أبى شيبة، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله.
قال أبو عمر : والذي يشبه عندي والله أعلم أن يكون القول قول من قال : كطير أو صورة طير لمطابقته لحديثنا المذكور، يعنى حديث كعب بن مالك في نسمة المؤمن. 
فالجواب أن هذا الحديث قد روى بهذين اللفظين، والذي رواه مسلم في الصحيح من حديث الأعمش، عن مسروق، فلم يختلف حديثهما أنها في أجواف طير خضر. 
وأما حديث ابن عباس، فقال عثمان بن أبى شيبة : حدثنا عبد الله بن إدريس، عن محمد ابن إسحاق، عن إسماعيل بن أمية، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال : قال رسول الله : «لما أصيب إخوانكم، يعنى يوم أحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوى إلى قناديل من ذهب مدلاة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا : من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق، لئلا ينكلوا عن الحرب، ولا يزهدوا في الجهاد، فقال الله تعالى : أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى : (أخرجه أبو داود [9] في كتاب الجهاد [27] باب في فضل الشهادة [الحديث : 2520]، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده [الحديث : 2388] ج 1 في مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي... ) «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون» (سورة آل عمران، الآية : 169). 
وأما حديث كعب بن مالك، فهو في السنن الأربعة ومسند أحمد، ولفظه للترمذي، أن رسول الله قال : «إن أرواح الشهداء في طير خضر تعلق من ثمر الجنة أو شجر الجنة» (أخرجه الترمذي [23] في كتاب فضائل الجهاد [13] باب ما جاء في ثواب الشهداء [الحديث : 1641]، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده [الحديث : 27236] ج 1 من حديث كعب بن مالك،،،)، قال الترمذى : هذا حديث حسن صحيح، ولا محذور في هذا ولا يبطل قاعدة من قواعد الشرع، ولا يخالف نصا من كتاب ولا سنة عن رسول الله، بل هذا من تمام إكرام الله للشهداء أن أعاضهم من أبدانهم التي مزقوها لله أبدانا خيرا منها تكون مركبا لأرواحهم ليحصل بها كمال تنعمهم، فإذا كان يوم القيامة رد أرواحهم إلى تلك الأبدان التي كانت فيها في الدنيا.
فان قيل : فهذا هو القول بالتناسخ وحلول الأرواح في أبدان غير أبدانها التي كانت فيها. قيل : هذا المعنى الذي دلت عليه السنة الصريحة حق يجب اعتقاده، ولا يبطله تسميه المسمى له تناسخا، كما أن إثبات ما دل عليه العقل والنقل من صفات الله عز و جل وحقائق أسمائه الحسنى حق لا يبطله تسمية المعطلين لها تركيبا وتجسيما، وكذلك ما دل عليه العقل والنقل من إثبات أفعاله وكلامه بمشيئته، ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا، ومجيئه يوم القيامة للفصل بين عباده حق لا يبطله تسمية المعطلين له حلول حوادث، كما أن ما دل عليه العقل والنقل من علو الله على خلقه، ومباينته لهم، واستوائه على عرشه، وعروج الملائكة والروح إليه، ونزولها من عنده، وصعود الكلم الطيب إليه، وعروج رسوله إليه، ودنوه منه حتى صار قاب قوسين أو أدنى، وغير ذلك من الأدلة حق لا يبطله تسمية الجهمية له حيزا وجهة وتجسيما. 
قال الإمام أحمد : «لا نُزيل عن الله صفة من صفاته لأجل شناعة المشنعين». قال : فان هذا شأن أهل البدع يلقبون أهل السنة وأقوالها بالألقاب التي ينفرون منها الجهال، ويسمونها حشوا وتركيبا وتجسيما، ويسمون عرش الرب تبارك وتعالى حيزا وجهة ليتوصلوا بذلك إلى نفي علوه على خلقه واستوائه على عرشه كما تسمى الرافضة موالاة أصحاب رسول الله كلهم ومحبتهم والدعاء لهم نصا، وكما تسمى القدرية المجوسية إثبات القدر جبرا. فليس الشأن في الألقاب، وإنما الشأن في الحقائق والمقصود أن [تسمية] ما دلت عليه [السنة] الصريحة من جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تناسخا لا يبطل هذا المعنى، وإنما التناسخ الباطل ما تقوله أعداء الرسل من الملاحدة وغيرهم الذين ينكرون المعاد : أن الأرواح تصير بعد مفارقة الأبدان إلى أجناس الحيوان والحشرات والطيور التي تناسبها وتشاكلها، فإذا فارقت هذه الأبدان انتقلت إلى أبدان تلك الحيوانات، فتنعم فيها أو تعذب، ثم تفارقها وتحل في أبدان أخر تناسب أعمالها وأخلاقها، وهكذا أبدا؛ فهذا معادها عندهم ونعيمها وعذابها، لا معاد لها عندهم غير ذلك؛ فهذا هو التناسخ الباطل المخالف لما اتفقت عليه الرسل والأنبياء من أولهم إلى آخرهم، وهو كفر بالله واليوم الآخر؛ وهذه الطائفة يقولون : إن مستقر الأرواح بعد المفارقة لأبدان الحيوانات التي تناسبها، وهو ابطل قول وأخبثه، ويليه قول من قال: إن الأرواح تعدم جملة بالموت ولا تبقى هناك روح تنعم ولا تعذب، بل النعيم والعذاب يقع على أجزاء الجسد أو جزء منه، إما عَجْبٍ أو غيره، فيخلق الله فيه الألم واللذة إما بواسطة رد الحياة إليه كما قاله بعض أرباب هذا القول، أو بدون رد الحياة كما قاله آخرون منهم، فهؤلاء عندهم لا عذاب في البرزخ إلا على الأجساد، ومقابلهم من يقول : إن الروح لا تعاد إلى الجسد بوجه ولا تتصل به، والعذاب والنعيم على الروح فقط، والسنة الصريحة المتواترة ترد قول هؤلاء وهؤلاء وتبين أن العذاب على الروح والجسد مجتمعين ومنفردين.
فإن قيل فقد ذكرتم أقوال الناس في مستقر الأرواح ومأخذهم، فما هو الراجح من هذه الأقوال حتى نعتقده؟ قيل : الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت، فمنها : أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهم متفاوتون في منازلهم، كما رآهم النبي ليلة الإسراء. 
ومنها : أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، وهي أرواح بعض الشهداء لا جميعهم، بل من الشهداء من تحبس روحه عن دخول الجنة لدين عليه أو غيره، كما في المسند، عن محمد بن عبد الله بن جحش، أن رجلا جاء إلى النبي فقال : يا رسول الله مالي إن قتلت في سبيل الله؟ قال : «الجنة». فلما ولى قال : «إلا الذي سارّني به جبريل آنفا». 
ومنهم : من يكون محبوسا على باب الجنة كما في الحديث الآخر : «رأيت صاحبكم محبوسا على باب الجنة». 
ومنهم من يكون محبوسا في قبره كحديث صاحب الشملة التي غلها ثم استشهد،  فقال الناس : هنيئا له الجنة، فقال النبي : «والذي نفسي بيده إن الشملة التي غلها لتشتعل عليه نارا في قبره» (أخرجه البخاري في [83] كتاب الأيمان والنذور [33] باب هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم والزرع والأمتعة [الحديث : 6707]، وأخرجه مسلم في [1] كتاب الأيمان [48] باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون [الحديث : 183\115] بألفاظ متقاربة،...). 
ومنهم : من يكون مقره باب الجنة، كما في حديث ابن عباس : «الشهداء على بارق نهر بباب الجنة، في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية»، رواه أحمد (أخرجه الإمام أحمد في مسنده [الحديث : 2390] ج 1 من حديث عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي...). وهذا بخلاف جعفر بن أبى طالب حيث أبدله الله من يديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء.
ومنهم : من يكون محبوسا في الأرض، لم تعل روحه إلى الملأ الأعلى، فإنها كانت روحا سفلية أرضية، فإن الأنفس الأرضية لا تجامع الأنفس السماوية، كما لا تجامعها في الدنيا، والنفس التي لم تكتسب في الدنيا معرفة ربها ومحبته وذكره والأنس به والتقرب إليه بل هي أرضية سفلية، لا تكون بعد المفارقة لبدنها إلا هناك؛ كما أن النفس العلوية التي كانت في الدنيا عاكفة على محبة الله وذكره والتقرب إليه والأنس به تكون بعد المفارقة مع الأرواح العلوية المناسبة لها. فالمرء مع من احب في البرزخ ويوم القيامة، والله تعالى يزوج النفوس بعضها ببعض في البرزخ ويوم المعاد، كما تقدم في الحديث، ويجعل روحه، يعنى المؤمن، مع النسم الطيب، أي الأرواح الطيبة المشاكلة، فالروح بعد المفارقة تلحق بأشكالها وإخوانها وأصحاب عملها فتكون معهم هناك. 
ومنها: أرواح تكون في تنور الزناة والزواني، وأرواح في نهر الدم تسبح فيه وتلقم الحجارة، فليس للأرواح، سعيدها وشقيها، مستقر واحد، بل روح في أعلى عليين، وروح أرضية سفلية لا تصعد عن الأرض. 
وأنت إذا تأملت السنن والآثار في هذا الباب، وكان لك بها فضل اعتناء، عرفت حجة ذلك؛ ولا تظن أن بين الآثار الصحيحة في هذا الباب تعارضا، فإنها كلها حق يصدق بعضها بعضا، لكن الشأن في فهمها، ومعرفة النفس وأحكامها، وأن لها شانا غير شأن البدن، وأنها مع كونها في الجنة، فهي في السماء، وتتصل بفناء القبر وبالبدن فيه، وهي أسرع شيء حركة وانتقالا وصعودا وهبوطا، وأنها تنقسم إلى مرسلة ومحبوسة وعلوية وسفلية، ولها بعد المفارقة صحة ومرض ولذة ونعيم والم أعظم مما كان لها حال اتصالها بالبدن بكثير، فهنالك الحبس والألم والعذاب والمرض والحسرة، وهنالك اللذة والراحة والنعيم والإطلاق، وما أشبه حالها في هذا البدن بحال ولد في بطن أمه، وحالها بعد المفارقة بحاله بعد خروجه من البطن إلى هذه الدار. 
فلهذه الأنفس أربع دور، كل دار أعظم من التي قبلها؛
الدار الأولى : في بطن الأم، وذلك الحصر والضيق والغم والظلمات الثلاث.
والدار الثانية : هي الدار التي نشأت فيها والفتها واكتسبت فيها الخبر والشر وأسباب السعادة والشقاوة. 
والدار الثالثة : دار البرزخ، وهي أوسع من هذه الدار وأعظم بل نسبتها إليه كنسبة هذه الدار إلى الأولى. 
والدار الرابعة : دار القرار، وهي الجنة أو النار، فلا دار بعدها، والله ينقلها في هذه الدور طبقا بعد طبق حتى يبلغها الدار التي لا يصلح لها غيرها، ولا يليق بها سواها، وهي التي خلقت لها وهيئت للعمل الموصل لها إليها، ولها في كل دار من هذه الدور حكم وشأن غير شأن الدار الأخرى. 
فتبارك الله فاطرها ومنشئها ومميتها ومحييها ومسعدها ومشقيها الذي فاوت بينها في درجات سعادتها وشقاوتها كما فاوت بينها في مراتب علومها وأعمالها وقواها وأخلاقها. فمن عرفها كما ينبغي شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، وله القوة كلها، والقدرة كلها، والعز كله، والحكمة كلها، والكمال المطلق من جميع الوجوه، وعرف بمعرفة نفسه صدق أنبيائه ورسله، وأن الذي جاءوا به هو الحق الذي تشهد به العقول، وتقر به الفطر، وما خالفه هو الباطل، وبالله التوفيق.

L'Esprit en islam (6) الروح في الإسلام

في عودة الروح إلى الجسد 
وهو التجاسد
مقتطف من كتاب 
الروح
في الكلام على على أرواح الأموات والأحياء
 بالدلائل من الكتاب والسنة
والآثار وأقوال العلماء 
لمؤلفه
محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله 
المعروف بابن قيم الجوزية
المسألة السادسة وهي أن الروح هل تعاد إلى الميت في قبره وقت السؤال أم لا

وقد احتج أبو عبد الله بن منده على إعادة الروح إلى البدن بأن قال : وحدثنا محمد بن الحسين ابن الحسن، حدثنا محمد بن زيد النيسابوري، حدثنا حماد بن قيراط، حدثنا محمد بن الفضل، عن يزيد بن عبد الرحمن الصائغ البلخي، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس أنه قال : بينما رسول الله ذات يوم قاعد تلا هذه الآية : «ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسط أيديهم» (سورة الأنعام، الآية : 93)، قال : «والذي نفس محمد بيده ما من نفس تفارق الدنيا حتى ترى مقعدها من الجنة والنار» ثم قال : «فإذا كان عند ذلك صف له سماطان من الملائكة ينتظمان ما بين الخافقين كأن وجوههم الشمس، فينظر إليهم ما ترى غيرهم وإن كنتم ترون أنهم ينظرون إليكم، مع كل منهم أكفان وحنوط، فإن كان مؤمنا بشروه بالجنة، وقالوا : أخرجى أيتها النفس الطيبة إلى رضوان الله وجنته، فقد أعد الله لك من الكرامة ما هو خير من الدنيا وما فيها، فلا يزالون يبشرونه ويحفون به، فهم ألطف وأرأف من الوالدة بولدها، ثم يسلون روحه من تحت كل ظفر ومفصل، ويموت الأول فالأول، ويهون عليه، وكنتم ترونه شديدا حتى تبلغ ذقنه، قال : فلهى أشد كراهية للخروج من الجسد من الولد حين يخرج من الرحم، فيبتدرها كل ملك منهم أيهم يقبضها، فيتولى قبضها ملك الموت؛ ثم تلا رسول الله : «قل يتوفاكم ملك الموت الذى وُكل بكم ثم إلى ربكم تُرجعون» (سورة السجدة، الآية 11) فيتلقاها بأكفان بيض، ثم يحتضنها إليه، فهو أشد لزوما لها من المرأة إذا ولدتها، ثم يفوح منها ريح أطيب من المسك، فيستنشقون ريحها ويتباشرون بها. ويقولون : مرحبا بالروح الطيبة والروح الطيب، اللهم صل عليه روحا وعلى جسد خرجت منه. قال : فيصعدون بها، ولله عز و جل خلق في الهواء لا يعلم عددتهم إلا هو، فيفوح لهم منها ريح أطيب من المسك، فيصلون عليها ويتباشرون، ويفتح لهم أبواب السماء، فيصلى عليها كل ملك في كل سماء تمر بهم حتى ينتهى بها بين يدى الملك الجبار، فيقول الجبار جل جلاله : مرحبا بالنفس الطيبة ويجسد خرجت منه، وإذا قال الرب عز وجل للشيء مرحبا رحب له كل شيء ويذهب عنه كل ضيق، ثم يقول لهذه النفس الطيبة : أدخلوها الجنة وأروها مقعدها من الجنة، وأعرضوا عليها ما أعددت لها من الكرامة والنعيم، ثم اذهبوا بها إلى الأرض، فإنى قضيت أنى منها خلقتهم وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى؛ فوالذي نفس محمد بيده لهى أشد كراهية للخروج منها حين كانت تخرج من الجسد، وتقول : أين تذهبون بى إلى ذلك الجسد الذي كنت فيه؟ قال : فيقولون : إنا مأمورون بهذا، فلا بد لك منه؛ فيهبطون به على قدر فراغهم من غسله وأكفانه، فيدخلون ذلك الروح بين جسده وأكفانه» (ذكره السيوطي في «الدر المنثور» [3\30]). 
فدل هذا الحديث أن الروح تعاد بين الجسد والأكفان، وهذا عود غير التعلق الذي كان لها في الدنيا بالبدن، وهو نوع آخر وغير تعلقها به حال النوم، وغير تعلقها به وهى في مقرها، بل هو عود خاص للمساءلة.  
قال شيخ الإسلام : الأحاديث الصحيحة المتواترة تدل على عود الروح إلى البدن وقت السؤال، وسؤال البدن بلا روح قول قاله طائفة من الناس، وأنكره الجمهور، وقابلهم آخرون، فقالوا : السؤال للروح بلا بدن، وهذا قاله ابن مرة وابن حزم، وكلاهما غلط، والأحاديث الصحيحة ترده، ولو كان ذلك على الروح فقط لم يكن للقبر بالروح اختصاص؛ وهذا يتضح بجواب المسألة، وهي قول السائل : هل عذاب القبر على النفس والبدن؟ أو على النفس دون البدن؟ أو على البدن دون النفس؟ وهل يشارك البدن النفس في النعيم والعذاب أم لا؟  
وقد سئل شيخ الإسلام عن هذه المسألة، ونحن نذكر لفظ جوابه، فقال : «بل العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعا باتفاق أهل السنة والجماعة، تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن، وتنعم وتعذب متصلة بالبدن والبدن متصل بها، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين كما تكون على الروح منفردة عن البدن. وهل يكون العذاب والنعيم للبدن بدون الروح؟ هذا فيه قولان مشهوران لأهل الحديث والسنة وأهل الكلام، وفي المسألة أقوال شاذة ليست من أقوال أهل السنة والحديث، قول من يقول : إن النعيم والعذاب لا يكون إلا على الروح، وان البدن لا ينعم ولا يعذب، وهذا تقوله الفلاسفة المنكرون لمعاد الأبدان، وهؤلاء كفار بإجماع المسلمين، ويقوله كثير من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم الذين يقرون بمعاد الأبدان، لكن يقولون : لا يكون ذلك في البرزخ، وإنما يكون عند القيام من القبور، لكن هؤلاء ينكرون عذاب البدن في البرزخ فقط، ويقولون : إن الأرواح هي المنعمة أو المعذبة في البرزخ، فإذا كان يوم القيامة عذبت الروح والبدن معا؛ وهذا القول قاله طوائف من المسلمين من أهل الكلام والحديث وغيرهم، وهو اختيار ابن حزم وابن مرة، فهذا القول ليس من الأقوال الثلاثة الشاذة، بل هو مضاف إلى قول من يقول بعذاب القبر ويقر بالقيامة ويثبت معاد الأبدان والأرواح، ولكن هؤلاء لهم في عذاب القبر ثلاثة أقوال : أحدها : أنه على الروح فقط، الثاني : أنه عليها وعلى البدن بواسطتها، الثالث : أنه على البدن فقط، وقد يضم إلى ذلك القول الثاني وهو قول من يثبت عذاب القبر ويجعل الروح هي الحياة ويجعل الشاذ قول منكر عذاب الأبدان مطلقا، وقول من ينكر عذاب الروح مطلقا؛ فإذا جعلت الأقوال الشاذة ثلاثة، فالقول الثاني الشاذ قول من يقول إن الروح بمفردها لا تنعم ولا تعذب وإنما الروح هي الحياة، وهذا يقوله طوائف من أهل الكلام من المعتزلة والأشعرية كالقاضي أبى بكر وغيره، وينكرون أن الروح تبقى بعد فراق البدن، وهذا قول باطل وقد خالف أصحابه أبو المعالي الجويني وغيره، بل قد ثبت بالكتاب والسنة واتفاق الأمة أن الروح تبقى بعد فراق البدن، وأنها منعمة أو معذبة، والفلاسفة والإلهيون يقرون بذلك لكن ينكرون معاد الأبدان، وهؤلاء يقرون بمعاد الأبدان لكن ينكرون معاد الأرواح ونعيمها وعذابها بدون الأبدان، وكلا القولين خطأ وضلال، لكن قول الفلاسفة أبعد عن أقوال أهل الإسلام وإن كان قد يوافقهم عليه من يعتقد أنه متمسك بدين الإسلام، بل من يظن أنه من أهل المعرفة والتصوف والتحقيق والكلام.
والقول الثالث الشاذ قول من يقول : إن البرزخ ليس فيه نعيم ولا عذاب، بل لا يكون ذلك حتى تقول الساعة الكبرى، كما يقول ذلك من يقوله من المعتزلة ونحوهم ممن ينكر عذاب القبر ونعيمه بناء على أن الروح لا تبقى بعد فراق البدن، وأن البدن لا ينعم ولا يعذب، فجميع هؤلاء الطوائف ضلال في أمر البرزخ، لكنهم خير من الفلاسفة، فإنهم مقرون بالقيامة الكبرى. 
فصل
 فإذا عرفت هذه الأقوال الباطلة، فلتعلم أن مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانا ويحصل له معها النعيم أو العذاب، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد، وقاموا من قبورهم لرب العالمين؛ ومعاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى. 
فصل 
من
المسألة السابعة وهى قول للسائل ما جوابنا للملاحدة والزنادقة المنكرين لعذاب القبر وسعته وضيقه وكونه حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة وكون الميت لا يجلس ولا يقعد فيه :

... الأمر العاشر : أن الموت معاد وبعث أول، فإن الله سبحانه وتعالى جعل
لابن آدم معادين وبعثين يجزى فيهما الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى. فالبعث الأول : مفارقة الروح للبدن ومصيرها إلى دار الجزاء الأول.
والبعث الثانى : يوم يرد الله الأرواح إلى أجسادها ويبعثها من قبورها إلى الجنة أو النار، وهو الحشر الثانى؛ ولهذا في الحديث الصحيح «وتؤمن بالبعث الآخر» (أخرجه البخاري في [2] كتاب الإيمان : [37] باب سؤال جبريل النبي عن الإيمان والإسلام [الحديث : 50]، وأخرجه مسلم في [1] كتاب الإيمان : [1] باب الإيمان ما هو؟ [الحديث : 97])، فإن البعث الأول لا ينكره أحد، وإن أنكر كثير من الناس الجزاء فيه والنعيم والعذاب، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى هاتين القيامتين، وهما الصغرى والكبرى، في سورة المؤمنين، وسورة الواقعة، وسورة القيامة، وسورة المطففين، وسورة الفجر، وغيرها من السور؛ وقد اقتضى عدله وحكمته أن جعلها دارى جزاء المحسن والمسىء، ولكن توفية الجزاء إنما يكون يوم المعاد الثانى في دار القرار كما قال تعالى : «كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة» (سورة آل عمران، الآية : 185).
وقد اقتضى عدله وأوجبت سماؤه الحسنى وكماله المقدس تنعيم أبدان أوليائه وأرواحهم، وتعذيب أبدان أعدائه وأرواحهم، فلا بد أن يذيق بدن المطيع له وروحه من النعيم واللذة ما يليق به، ويذيق بدن الفاجر العاصى له وروحه من الألم والعقوبة ما يستحقه، هذا موجب عدله وحكمته وكماله المقدس؛ ولما كانت هذه الدار دار تكليف وامتحان لا دار جزاء، لم يظهر فيها ذلك، وأما البرزخ فأول دار الجزاء فظهر فيها من ذلك ما يليق بتلك الدار، وتقتضى الحكمة إظهاره. 
فإذا كان يوم القيامة الكبرى وفي أهل الطاعة وأهل المعصية ما يستحقونه من نعيم الأبدان والأرواح وعذابهما، فعذاب البرزخ ونعيمه أول عذاب الآخرة ونعيمها، وهو مشتق منه، وواصل إلى أهل البرزخ هناك، كما دل عليه القرآن والسنة الصحيحة الصريحة في غير موضع دلالة صريحة، كقوله : «فيفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها«، وفي الفاجر : «فيفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها» (أخرجه أبو داود في [35] كتاب : السنة، [24] باب : المسألة في القبر وعذاب القبر [الحديث : 4753]، وأخرجه النسائي في [21] كتاب الجنائز، [114] باب : عذاب القبر [الحديث : 2058]، وأخرجه ابن ماجه في [37] كتاب الزهد، [32] باب : ذكر الموت والبلى [الحديث : 4269])، ومعلوم قطعا ان البدن يأخذ حظه من هذا الباب كما تأخذ الروح حظها، فإذا كان يوم القيامة دخل من ذلك الباب إلى مقعده الذى هو داخله. وهذان البابان يصل منهما إلى العبد فى هذه الدار أثر خفي محجوب بالشواغل والغواشي الحسية والعوارض، ولكن يحس به كثير من الناس وإن لم يعرف سببه ولا يسحن التعبير عنه، فوجود الشيء غير الاحساس به والتعبير عنه، فإذا مات كان وصول ذلك الأثر إليه من ذينك البابين أكمل، فإذا بعث كمل وصل ذلك الأثر إليه. فحكمة الرب تعالى منتظمة لذلك أكمل انتظام في الدور الثلاث.

L'Esprit en islam (5) الروح في الإسلام

في بقاء الروح حية بعد الموت
مقتطف من كتاب 
الروح
في الكلام على على أرواح الأموات والأحياء
 بالدلائل من الكتاب والسنة
والآثار وأقوال العلماء 
لمؤلفه
محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله 
المعروف بابن قيم الجوزية
المسألة الرابعة وهي أن الروح هل تموت أم الموت للبدن وحده
اختلف الناس في هذا فقالت طائفة تموت الروح وتذوق الموت لأنها نفس وكل نفس ذائقة الموت.
قالوا : وقد دلت الأدلة على أنه لا يبقى إلا الله وحده، قال تعالى : «كل من عليها فان (٢٦) ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام» (سورة الرحمان، الآيتان : ٢٦و٢٧)، وقال تعالى : «كل شيء هالك إلا وجهه» (سورة القصص، الآية : ٨٨)، قالوا : وإذا كانت الملائكة تموت، فالنفوس البشرية أولى بالموت. قالوا : وقد قال تعالى عن أهل النار أنهم قالوا : «ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين» (سورة غافر : الآية ١١) فالموتة الأولى هذه المشهودة، وهي للبدن، والأخرى للروح
 (ذكره الطبري في تفسيره، الآيتان : ١٦٩ و١٧٠).
وقال آخرون : لا تموت الأرواح، فإنها خلقت للبقاء، وإنما تموت الأبدان. قالوا :  وقد دلت على هذا الأحاديث الدالة على نعيم الأرواح وعذابها بعد المفارقة إلى أن يرجعها الله في أجسادها، ولو ماتت الأرواح لانقطع عنها النعيم والعذاب، وقد قال تعالى : «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (١٦٩) فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم» (سورة آل عمران، الآيتان : ١٦٩ و١٧٠). هذا مع القطع بأن أرواحهم قد فارقت أجسادهم وقد ذاقت الموت.
والصواب أن يقال : موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها، فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدما محضا، فهى لا تموت بهذا الاعتبار، بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب كما سيأتى ان شاء الله تعالى بعد هذا، وكما صرح به النص انها كذلك حتى يردها الله في جسدها. وقد نظم أحمد بن الحسين الكندى هذا الاختلاف في قوله :
تنازع الناس حتى لااتفاق لهم ... إلا على شجب والخلف في الشجب
فقيل تخلص نفس المرء سالمة.......... وقيل تشرك جسم المرء في العطب
فإن قيل : فعند النفخ في الصور هل تبقى الأرواح حية كما هي أو تموت ثم تحيا؟ قيل : قد قال تعالى : «ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله» (سورة الزمر، الآية : ٦٨) فقد استثنى الله سبحانه بعض من في السموات ومن في الأرض من هذا الصعق (ذكره الطبري في تفسيره : [12\29]). فقيل : هم الشهداء؛ هذا قول أبى هريرة وابن عباس وسعيد بن جبير. وقيل : هم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت؛ وهذا قول مقاتل وغيره. وقيل : هم الذين في الجنة من الحور العين وغيرهم ومن في النار من أهل العذاب وخزنتها، قاله أبو إسحق بن شاقلا من أصحابنا.
وقد نص الإمام أحمد على أن الحور العين والولدان لا يمتن عند النفخ في الصور، وقد أخبر سبحانه أن أهل الجنة «لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى» (سورة الدخان، الآية : 56)، وهذا نص على أنهم لا يموتون غير تلك الموتة الأولى، فلو ماتوا مرة ثانية لكانت موتتان. 
وأما قول أهل النار : «ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين» (سورة غافر، الآية : 11) فتفسير هذه الآية التي في البقرة، وهي قوله تعالى : «كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم» (سورة البقرة، الآية : 28) فكانوا أمواتا وهم نطف في أصلاب آبائهم وفي أرحام أمهاتهم، ثم أحياهم بعد ذلك، ثم أماتهم، ثم يحييهم يوم النشور. وليس في ذلك إماتة أرواجهم قبل يوم القيامة، وإلا كانت ثلاث موتات؛ وصعق الأرواح عند النفخ في الصور لا يلزم منه موتها، ففي الحديث الصحيح «أن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة العرش، فلا أدرى افاق قبلى أم جوزى بصعقة يوم الطور» (أخرجه البخاري في [44] كتاب الخصومات [1] ياب ما يذكر في الأشخاص، والخصومة بين المسلم واليهود [الحديث : 2411،2412]، وأخرجه أيضا في [60] كتاب الأنبياء [31] ياب : وفاة موسى، وذكره بعد الحديث : 3408، وأخرجه أيضا في [81] كتاب الرقائق [43] باب نفخ الصور [الحديث : 6517،6518]؛ وأخرجه مسلم في [43] كتاب الفضائل [42] باب : من فضائل موسى [الحديث : 159، 165]...).
فهذا صعق في موقف القيامة إذا جاء الله تعالى لفصل القضاء وأشرقت الأرض بنوره، فحينئذ تصعق الخلائق كلهم؛ قال تعالى : «فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون» (سورة الطور، الآية : ٤٥)، ولو كان هذا الصعق موتا لكانت موتة أخرى. 
وقد تنبه لهذا جماعة من الفضلاء، فقال أبو عبد الله القرطبى : ظاهر هذا الحديث أن هذه صعقةُ غشي تكون يوم القيامة لا صعقة الموت الحادثة عن نفخ الصور. قال : وقد قال شيخنا أحمد بن عمرو : وظاهر حديث النبي يدل على أن هذه الصعقة إنما هي بعد النفخة الثانية نفخة البعث، ونص القرآن يقتضى أن ذلك الاستثناء إنما هو بعد نفخة الصعق، ولما كان هذا قال بعض العلماء : يحتمل أن يكون موسى ممن لم يمت من الأنبياء، وهذا باطل. وقال القاضي عياض : يحتمل أن يكون المراد بهذه صعقة فزع بعد النشور حين تنشق السموات والأرض. قال : فتستقل الأحاديث والآثار، ورد عليه أبو العباس القرطبى، فقال : يرد هذا قوله في الحديث الصحيح : أنه حين يخرج من قبره يلقى موسى آخذا بقائمة العرش. قال : وهذا إنما عند نفخة الفزع...

L'Esprit en islam (4) الروح في الإسلام

في لقاء أرواح الأحياء والأموات
مقتطف من كتاب 
الروح
في الكلام على على أرواح الأموات والأحياء
 بالدلائل من الكتاب والسنة
والآثار وأقوال العلماء 
لمؤلفه
محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله 
المعروف بابن قيم الجوزية
المسألة الثالثة وهى هل تتلاقي أرواح الأحياء وأرواح الأموات أم لا
شواهد هذه المسألة وأدلتها كثر من أن يحصيها إلا الله تعالى والحس والواقع من أعدل الشهود بها، فتلتقي أرواح الأحياء والأموات كما تلتقي أرواح الأحياء، وقد قال تعالى :« الله يَتوفي الأنفس حين موتها والتى لم تمت في منامها فيُمسك التى قضي عليها الموت ويُرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» (سورة الزمر، الآية : 42). 
قال أبو عبد الله بن منده : حدثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم، حدثنا عبد الله بن حسين الحراني، حدثنا جدى أحمد بن شعيب، حدثنا موسى بن عين، عن مطرف، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في هذه الآية، قال : بلغني أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام، فيتسألون بينهم، فيمسك الله أرواح الموتى، ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها (ذكره الطبري في «تفسيره» [12\9]). 
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره : حدثنا عبد الله بن سليمان، حدثنا الحسين، حدثنا عامر، حدثنا إسباط عن السدي، في قوله تعالى : «والتى لم تمت في منامها« (الزمر : 42) قال : يتوفاها في منامها، فيلتقي روح الحى وروح الميت فيتذاكران ويتعارفان. قال : فترجع روح الحى إلى جسده في الدنيا إلى بقية أجلها، وتريد روح الميت أن ترجع إلى جسده فتحبس (ذكره الطبري في «تفسيره» [12\9]).  
وهذا أحد القولين في الآية، وهو أن الممسكة من تُوُفيت وفاة الموت أولا، والمرسلة من توفيت وفاة النوم. والمعنى على هذا القول أنه يتوفي نفس الميت فيمسكها ولا يرسلها إلى جسدها قبل يوم القيامة، ويتوفي نفس النائم ثم يرسلها إلى جسده إلى بقية أجلها، فيتوفاها الوفاة الأخرى......
والقول الثاني في الآية : أن الممسكة والمرسلة في الآية كلاهما تُوفي وفاة النوم، فمن استكملت أجلها أمسكها عنده فلا يردها إلى جسدها، ومن لم تستكمل أجلها ردها إلى جسدها لتستكمله؛ واختار شيخ الإسلام هذا القول، وقال : عليه يدل القرآن والسنة، قال : فإنه سبحانه ذكر إمساك التى قضي عليها الموت من هذه الأنفس التى توفاها وفاة النوم، وأما التى توفاها حين موتها فتلك لم يصفها بامساك ولا بإرسال، بل هى قسم ثالث. 
والذي يترجح هو القول الأول، لأنه سبحانه أخبر بوفاتين : وفاة كبرى وهى وفاة الموت، ووفاة صغرى وهى وفاة النوم. وقسم الأرواح قسمين : قسما قضي عليها بالموت فأمسكها عنده، وهى التى توفاها وفاة الموت، وقسما لها بقية أجل فردها إلى جسدها إلى استكمال أجلهاإ وجعل سبحانه الإمساك والإرسال حكمين للوفاتين المذكورتين أولا، فهذه ممسكة، وهذه مرسلة، وأخبر أن التى لم تمت هى التى توفاها في منامها، فلو كان قد قسم وفاة النوم إلى قسمين : وفاة موت ووفاة نوم لم يقل : «والتى لم تمت في منامها» (سورة الزمر، الآية : 42) فإنها من حين قُبضت ماتت، وهو سبحانه قد أخبر أنها لم تمت، فكيف يقول بعد ذلك : «فيمسك التى قضي عليها الموتَ «. ولمن نصر هذا القول أن يقول : قوله تعالى : «فيمسك التى قضى عليها الموت» بعد أن توفاها وفاة النوم، فهو سبحانه توفاها أولا وفاة نوم، ثم قضي عليها الموت بعد ذلك؛ والتحقيق أن الآية تتناول النوعين، فإنه سبحانه ذكر وفاتين : وفاة نوم ووفاة موت، وذكر إمساك المتوفاة وإرسال الأخرى، ومعلوم أنه سبحانه يمسك كل نفس ميت سواء مات في النوم أو في اليقظة ويرسل نفس من لم يمت، فقوله : «يتوفي الأنفس حين موتها» يتناول من مات في اليقظة ومن مات في المنام.
وقد دل على التقاء أرواح الأحياء والأموات أن الحى يرى الميت في منامه فيستخبره ويخبره الميت بما لا يعلم الحي، فيصادف خبره كما أخبر في الماضي والمستقبل، وربما أخبره بمال دفنه الميت في مكان لم يعلم به سواه، وربما أخبره بدَيْن عليه وذكر له شواهده وأدلته.
وأبلغ من هذا أنه يخبر بما عمله من عمل لم يطلع عليه أحد من العالمين، وأبلغ من هذا أنه يخبره أنك تأتينا إلى وقت كذا وكذا فيكون كما أخبر، وربما أخبره عن أمور يقطع الحى أنه لم يكن يعرفها غيره؛ وقد ذكرنا قصة الصعب بن جثامة وقوله لعوف بن مالك ما قال له وذكرنا قصة ثابت بن قيس بن شماس وأخباره لمن رآه يدرعه وما عليه من الدين. وقصة صدقة بن سليمان الجعفرى وأخبار ابنه له بما عمل من بعده، وقصة شبيب بن شيبة وقول أمه له بعد الموت : جزاك الله خيرا حيث لقنها لا إله إلا الله، وقصة الفضل بن الموفق مع ابنه وإخباره إياه بعلمه بزيارته. وقال سعيد بن المسيب : التقي عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي، فقال أحدهما للآخر : إن مت قبلى فالقني فاخبرني ما لقيت من ربك، وإن أنا مت قبلك لقيتك فأخبرتك. فقال الآخر : وهل تلتقي الأموات والأحياء؟ قال : نعم، أرواحهم في الجنة تذهب حيث تشاء. قال فمات فلان، فلقيه في المنام، فقال : توكل وأبشر! فلم أر مثل التوكل قط.

ورأى حماد بن سلمة (هو حماد بن سلمة ين دينار، الإمام، القدوة، شيخ الإسلام)، أبو سلمة البصري، النحوي، النحوي، البزاز، الخِرَقي، البطائني. وكان من أئمة الدين، وكان مع إمامته في الحديث إماما كبيرا في العربية، فقيها فصيحا، رأسا في السنة، وصاحب تصانيف؛ وكان يعد من الأبدال (جاء في النفيس : الأبدال : قوم من الصالحين، لا تخلو الدنيا منهم، لا يموت أحدهم إلا قام مكانه آخر من سائر الناس؛ كأنهم أرادوا أبدال الأنبياء وخلفائهم، وهم عند القوم سبعة _ النفيس من كنوز القواميس. صفوة المتن اللغوي من تاج العروس ومراجعه الكبرى لخليفة محمد التليسي - الدار العربية للكتاب. ليبيا-تونس، 2003)، وعلامة الأبدال ألا يولد لهم، تزوج سبعين إمرأة ولم يولد له؛ وتوفي سنة 167هجرية  في النوم بعض الأصحاب، فقال له : ما فعل الله بك؟ فقال : قال لى : طال ما كددت نفسك في الدنيا، فاليوم أطيل راحتك وراحة المتعبين.  
وهذا باب طويل جدا، فإن لم تسمح نفسك بتصديقه وقلت : هذه منامات، وهي غير معصومة، فتأمل من رأى صاحبا له أو قريبا أو غيره، فأخبره بأمر لا يعلمه إلا صاحب الرؤيا، أو أخبره بمال دفنه، أو حذره من أمر يقع، أو بشره بأمر يوجد فوقع كما قال، أو أخبره بأنه يموت هو أو بعض أهله إلى كذا وكذا فيقع كما أخبر، أو أخبره بخصب أو جدب أو عدو أو نازلة أو مرض أو بغرض له فوقع كما أخبره؛ والواقع من ذلك لا يحصيه إلا الله، والناس مشتركون فيه، وقد رأينا نحن وغيرنا من ذاك عجائب.  
وأبطل من قال : إن هذه كلها علوم وعقائد في النفس تظهر لصاحبها عند انقطاع نفسه عن الشواغل البدنية بالنوم، وهذا عين الباطل والمحال، فإن النفس لم يكن فيها قط معرفة هذه الأمور التي يخبر بها الميت، ولا خطرت ببالها، ولا عندها علامة عليها، ولا أمارة بوجه ما؛ ونحن لا ننكر أن الأمر قد يقع كذلك.
وإن من الرؤيا ما يكون من حديث النفس وصورة الاعتقاد، بل كثير من مرائى الناس إنما هي من مجرد صور اعتقادهم المطابق وغير المطابق
فإن الرؤيا على ثلاثة أنواع : رؤيا من الله، ورؤيا من الشيطان، ورؤيا من حديث النفس. 
والرؤيا الصحيحة أقسام، منها إلهام يلقيه الله سبحانه في قلب العبد، وهو كلام يكلم به الرب عبده في المنام، كما قال عبادة بن الصامت وغيره.
ومنها مثل يضربه له ملك الرؤيا الموكل بها.
ومنها التقاء روح النائم بأرواح الموتى من أهله وأقاربه وأصحابه وغيرهم كما ذكرنا. 
ومنها عروج روحه إلى الله سبحانه وخطابها له.
ومنها دخول روحه إلى الجنة ومشاهدتها وغير ذلك. فالتقاء أرواح الأحياء والموتى نوع من أنواع الرؤيا الصحيحة التي هي عند الناس من جنس المحسوسات.
وهذا موضع اضطرب فيه الناس؛ فمن قائل : إن العلوم كلها كامنة في النفس، وإنما اشتغالها بعالم الحس يحجب عنها مطالعتها، فإذا تجردت بالنوم رأت منها بحسب استعدادها، ولما كان تجردها بالموت أكمل كانت علومها ومعارفها هناك أكمل، 
وهذا فيه حق وباطل، فلا يرد كله ولا يقبل كله؛ فإن تجرد النفس يطلعها على علوم ومعارف لا تحصل بدون التجرد، لكن لو تجردت كل التجرد لم تطلع على علم الله الذي بعث به رسوله وعلى تفاصيل ما أخبر به عن الرسل الماضية والأمم الخالية، وتفاصيل المعاد، وأشراط الساعة، وتفاصيل الأمر والنهي، والأسماء والصفات والأفعال، وغير ذلك مما لا يعلم إلا بالوحي؛ ولكن تجرد النفس عون لها على معرفة ذلك وتلقيه من معدنه أسهل وأقرب وأكثر مما يحصل للنفس المنغمسة في الشواغل البدنية.  
ومن قائل : إن هذه المرائى علوم علقها الله في النفس ابتداء بلا سبب، وهذا قول منكرى الأسباب والحكم القوى، وهو قول مخالف للشرع والعقل والفطرة.
ومن قائل : إن الرؤيا أمثال مضروبة يضربها الله للعبد بحسب استعدادٍ ألفه على يد ملك الرؤيا، فمرة يكون مثلا مضروبا، ومرة يكون نفس ما رآه الرائى فيطابق الواقع مطابقة العلم لمعلومه. وهذا أقرب من القولين قبله، ولكن الرؤيا ليست مقصورة عليه، بل لها أسباب أُخر كما تقدم من ملاقاة الأرواح وإخبار بعضها بعضا، ومن إلقاء الملك الذي في القلب والروع، ومن رؤية الروح للأشياء مكافحة بلا واسطة.
وقد ذكر أبو عبد الله بن منده الحافظ في كتاب النفس والروح، من حديث محمد بن حميد : حدثنا عبد الرحمن بن مغراء الدروسى، حدثنا الأزهر بن عبد الله الأزدى، عن محمد بن عجلان، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه قال : لقي عمر بن الخطاب على بن أبى طالب، فقال له : يا أبا الحسن، ربما شهدت وغبنا، وشهدنا وغبت. ثلاث أسألك عنهن، عندك منهن علم؟ فقال على ابن أبى طالب : وما هن؟ فقال : الرجل يحب الرجل ولم ير منه خيرا، والرجل يبغض الرجل ولم ير منه شرا. فقال على : نعم، سمعت رسول الله يقول : «إن الأرواح جنود مجندة تلتقى في الهواء فتشأم، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» (أخرجه الحاكم في [50] كتاب الفتن والملاحم [الحديث 8296]، وذكره الزبيدي في إتحاف السادة المتقين [6\182][6\183]، وذكره الهندي في كنز العمال [الحديث 24739]، وذكره السيوطي في جمع الجوامع [الحديث 5375]، وذكره الخطيب الغدادي في تاريخ بغداد [8\206]، وأخرجه الهيثمي في [2] كتاب العلم [64] باب سؤال العالم عن ما لا يعلم [الحديث : 738]).
فقال عمر:  واحدة. قال عمر : والرجل يحدث الحديث إذ نسيه، فبينا هو وما نسيه إذ ذكره. فقال : نعم، سمعت رسول الله يقول : «ما في القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر بينا القمر مضيء إذا تجللته سحابة الظلم إذا تجلت فأضاء وبينا القلب يتحدث إذ تجللته سحابة فنسى إذ تجلت عنه فيذكر». 
قال عمر : اثنتان. قال : والرجل يرى الرؤيا، فمنها ما يصدق، ومنها ما يكذب؟ فقال : نعم، سمعت رسول الله يقول : «ما من عبد ينام يمتلىء نوما إلا عرج بروحه إلى العرش، فالذى لا يستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تصدق، والذي يستيقظ دون العرش فهي التي تكذب». فقال عمر : ثلاث كنت في طلبهن، فالحمد لله الذي أصبتهن قبل الموت» (أخرجه الحاكم في [47] كتاب تعبير الرؤيا [الحديث : 8199] وذكره الذهبي في التلخيص : [حديث منكر لم يصححه المؤلف، وكأن الآفة من أزهر]).

L'Esprit en islam (3) الروح في الإسلام

في لقاء الأرواح بعد الموت
مقتطف من كتاب 
الروح
في الكلام على على أرواح الأموات والأحياء
 بالدلائل من الكتاب والسنة
والآثار وأقوال العلماء 
لمؤلفه
محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله 
المعروف بابن قيم الجوزية
المسألة الثانية وهى أن ارواح الموتى هل تتلاقي وتتزاور وتتذاكر أم لا؟

وهي أيضا مسألة شريفة كبيرة القدر، وجوابها أن الأرواح قسمان : أرواح معذبة وأرواح منعمة، فالمعذبة في شغل بما هى فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي، والأرواح المنعمة المرسلة غير المحبوسة تتلاقي وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا، وما يكون من أهل الدنيا، فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها، وروح نبينا محمد في الرفيق الأعلى. 
قال الله تعالى : «ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا» (سورة النساء، الآية 69).
وهذه المعية ثابتة في الدنيا، وفي دار البرزخ، وفي دار الجزاء، والمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاثة. 
وروى جرير : عن منصور، عن أبي الضحي، عن مسروق قال : قال أصحاب محمد : ما ينبغي لنا أن نفارقك في الدنيا، فإذا مت رفعت فوقنا فلم نرك، فأنزل الله تعالى : «ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا» (أخرجه الطبري في «تفسيره« سورة النساء، الآية 69 [الحديث : 4 /162]، وأخرجه ابن كثير في «تفسيره» [الحديث : 1 /535]).
وقال الشعبي : جاء رجل من الأنصار وهو يبكي إلى النبي، فقال : «ما يبكيك يا فلان؟» فقال : يا نبي الله، والله الذي لا إله إلا هو لأنت أحب إلى من أهلى ومالى، والله الذي لا إله إلا هو لأنت أحب إلى من نفسى، وأنا أذكرك أنا وأهلى فيأخذني كذا حتى أراك، فذكرت موتك وموتي، فعرفت أني ان أجامعك إلا في الدنيا، وأنك ترفع بين النبيين، وعرفت اني إن دخلت الجنة كنت في منزل أدني من منزلك.» فلم يرد النبي شيئا، فأنزل الله تعالى : «ومن يطع الله والرسول فألئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين» إلى قوله «وكفى بالله عليما» (سورة النساء، الآية 70). 
وقال تعالى : «يا أيتها النفس المطمئنة (٢٧) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (٢٨) فادخلى في عبادى () وادخلى جنتي» (سورة الفجر، الآيات : 27-30) اى أدخلي في جملتهم. وكونى معهم، وهذا يقال للروح عند الموت (تقدم تخريجه في الحديث السابق). 
وقد جاءت سنة صريحة بتلاقي الأرواح وتعارفها.
 قال ابن أبي الدنيا : حدثني محمد بن عبد الله بن بزيغ، أخبرني فضيل بن سليمان النميري، حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده، قال : لما مات بشر بن البراء بن معرور، وجدتْ عليه أم بشر وَجْدا شديدا، فقالت : يا رسول الله، إنه لا يزال الهالك يهلك من بني سلمة، فهل تتعارف الموتى فأرسل إلى بشر بالسلام؟ فقال رسول الله : «نعم، والذي نفسى بيده، يا أم بشر، إنهم ليتعافون كما تتعارف الطير في رؤوس الشجر». وكان لا يهلك هالك من بنى سلمة إلا جاءته أم بشر، فقالت : يا فلان، عليك السلام، فيقول : وعليك، فتقول : اقرأ على بشر السلام (ذكره ابن حجر في »الإصابة« في ترجمة أم بشر بنت البراء بن معرور [8\176]). 
وذكر ابن أبي الدنيا من حديث سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير قال : أهل القبور يتوكفون الأخبار، فإذا أتاهم الميت قالوا : ما فعل فلان؟ فيقول: صالح. ما فعل فلان؟ يقول : صالح. ما فعل فلان؟ فيقول : ألم يأتكم؟ أو ما قدم عليكم؟ فيقولون : لا، فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون، سلك به غير سبيلنا. 
وقال صالح المرى : بلغنى أن الأرواح تتلاقي عند الموت، فتقول أرواح الموتى للروح التى تخرج إليها : كيف كان مأواك، وفي أى الجسدين كنت، في طيب أم خبيث؟ ثم بكى حتى غلبه البكاء. 
وقال عبيد بن عمير : إذا مات الميت تلقته الأرواح يستخبرونه كما يستخبر الركب : ما فعل فلان؟ ما فعل فلان؟ فإذا قال : توفي، ولم يأتهم، قالوا : ذُهب به إلى أمه الهاوية.
وقال سعيد بن المسيب : إذا مات الرجل استقبله والده كما يستقبل الغائب.
وقال عبيد بن عمير أيضا : لو رآنى آيس من لقاء من مات من أهلى لألفانى قد مت كمدا.
وذكر معاوية بن يحيى : عن عبد الله بن سلمة، أن أبا رهم المسمعي حدثه أن أبا أيوب الأنصارى حدثه أن رسول الله قال : «إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة من عند الله كما يُتلقى البشير في الدنيا، فيقولون : انظروا أخاكم حتى يستريح فإنه كان في كرب شديد، فيسألونه : ماذا فعل فلان؟ وماذا فعلت فلانة؟ وهل تزوجت فلانة؟ فإذا سألوه عن رجل مات قبله قال : إنه قد مات فبلى، قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون، ذُهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم وبئست المربية» (أخرجه الهيثمي في «مجمع الزوائد في كتاب : الجنائز، باب : في موت المؤمن وغيره [الحديث  : 3931]، وأخرحه الطبراني في «المعجم الكبير» [3887]، [3888]، وأخرحه الحاكم في المستدرك في كتاب : التفسير، تفسير سورة القارعة [الحديث : 3968]، وذكره الزبيدي في «إتحاف السادة المتقين» [10\394]، وذكره الهندي في «كنز العمال» (42738)، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» [6\385]). 
وقدم تقدم حديث يحيى بن بسطام، حدثني مسمع بن عاصم، قال : رأيت عاصما الجحدرى في منامى بعد موته بسنتين، فقلت : أليس قد مت؟ قال : بلى. قلت : وأين أنت؟ قال : أنا والله في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابى نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني فنتلقى أخباركم. قلت : أجسامكم أم أرواحكم؟ قال هيهات! بليت الأجسام؛ وإنما تتلاقي الأرواح.

L'Esprit en islam (2) الروح في الإسلام

في العمل بوصية الميت كما طالبت به روحه في حلم
مقتطف من كتاب 
الروح
في الكلام على على أرواح الأموات والأحياء
 بالدلائل من الكتاب والسنة
والآثار وأقوال العلماء 
لمؤلفه
محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله 
المعروف بابن قيم الجوزية
المسألة الأولى : وهي هل تعرف الأموات زيارة الأحياء وسلامهم أم لا؟
وصح عن حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب أن الصعب بن جثامة وعوف ابن مالك كانا متآخيين. قال صعب لعوف : أي أخى، أينا مات قبل صاحبه فليتراءا له! قال : أو يكون ذلك؟ قال : نعم.
فمات صعب، فرآه عوف فيما يرى النائم كأنه قد اتاه. قال : قلت : أى، أخى؟ قال : نعم. قلت : ما فُعل بكم؟ قال : غُفر لنا بعد المصائب. قال : ورأيت لمعة سوداء في عنقه، قلت : أي أخى، ما هذا؟ قال : عشرة دنانير استسلفتها من فلان اليهودي فهن في قرني، فأعطوه إياها! وأعلم أن، أي أخي، انه لم يحدث في أهلى حدث بعد موتى إلا قد لحق بى خبره حتى هرة لنا ماتت منذ أيام؛ واعلم أن بنتى تموت إلى ستة أيام، فأستوصوا بها معروفا.
فلما أصبحت، قلت : إن في هذا لمعلما. فأتيت أهله، فقالوا : مرحبا بعوف، أهكذا تصنعون بتركة إخوانكم، لم تقربنا منذ مات صعب؟ قال : فأتيت، فأعتللت بما يعتل به الناس. فنظرت إلى القرن، فأنزلته فأنتثلت ما فيه، فوجدت الصرة التي فيها الدنانير، فبعثت بها إلى اليهودي، فقلت : هل كان لك على صعب شيء؟ قال : رحم الله صعبا، كان من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هي له! قلت : لتخبرني! قال : نعم، اسلفته عشرة دنانير فنبذتها إليه.
قال :  هى والله بأعيانها! قال : قلت : هذه واحدة ! قال : فقلت هل حدث فيكم حدث بعد موت صعب؟ قالوا : نعم، حدث فينا كذا حدث. قال : قلت : اذكروا ! قالوا : نعم، هرة ماتت منذ ايام. فقلت هاتان اثنتان ! 
قلت : أين أبنة أخي؟ قالوا : تلعب. فأتيت بها فمسستها فإذا هى محمومة؛ فقلت: استوصوا بها معروفا. فماتت في ستة أيام (ذكره ابن حجر في الإصابة ٣|٣٤٥)
وهذا من فقه عوف، رحمه الله، وكان من الصحابة، حيث نفذ وصية الصعب بن جثامة بعد موته وعلم صحة قوله بالقرائن التي أخبره بها من أن الدنانير عشرة وهى في القرن، ثم سأل اليهودى فطابق قوله لما في الرؤيا فجزم عوف بصحة الأمر فأعطى اليهودي الدنانير.
وهذا فقه إنما يليق بأفقه الناس وأعلمهم وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولعل أكثر المتأخرين ينكر ذلك ويقول : كيف جاز لعوف أن ينقل الدنانير من تركة صعب وهى لأيتامه وورثته إلى يهودى بمنام؟
ونظير هذا من الفقه الذي خصهم به دون الناس قصة ثابت بن قيس بن شماس وقد ذكرها أبو عمر بن عبد البر وغيره.
قال أبو عمر : أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، حدثنا سعيد بن عفير وعبد العزيز بن يحيى المدني، حدثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب عن إسماعيل بن محمد بن ثابت الأنصارى، عن ثابت ابن قيس بن شماس، أن رسول قال له : «يا ثابت أما ترضي أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة؟» قال مالك : فقتل ثابت بن قيس يوم اليمامة شهيدا (أخرجه الطبراني في »المعجم الكبير» وذكره الهندي في «كنز العمال» وذكره السيوطي في »الدر المنثور»). 
قال أبو عمرو : روى هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : حدثني عطاء الخراساني قال : حدثتني ابنة ثابت بن قيس بن شماس،  قالت : لما نزلت «يا أيها الذين آمنو لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي» (سورة الحجرات، الآية : ٢) دخل أبوه لبيته وأغلق عليه بابه، ففقده رسول الله، وأرسل إليه يسأله ما خبره؛ قال : أنا رجل شديد الصوت أخاف أن يكون قد حبط عملي. قال : «لست منهم بل تعيش بخير وتموت بخير». قال : ثم أنزل الله «إن الله لا يحب كل مختال فخور» (سورة لقمان، الآية ١٨) فأغلق عليه بابه وطفق يبكي، ففقده رسول الله، فأرسل إليه، فأخبره، فقال :  يا رسول الله إني أحب الجمال، وأحب أن أسود قومى، فقال : «لست منهم بل تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة» (أخرجه الطبراني في »المعجم الكبير» [الحديث ١٣١٣]، وذكره الهندي في «كنز العمال» [الحديث ٣٣٨١٣]، وذكره السيوطي في »الدر المنثور» [٢\١٠٩] [٦\٨٥]، وأخرجه الهيثمي في «موارد الظمآن»  [الحديث ٢٢٧٠]، وذكره عبد الرزاق في مصنفه  [الحديث ٤٠٤٢٥]، وذكره الهيثمي في «معجم الزوائد» في كتاب : المناقب  [١٠٩] باب : ما جاء في ثابت بن قيس بن شماس  [الحديث ١٥٧٨٢]).
قالت : فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة، فلما التقوا وأنكشفوا قال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة : ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله، ثم حفر كل واحد له حفرة، فثبتا وقاتلا حتى قتلا، وعلى ثابت يومئذ درع له نفيسة، فمر به رجل من المسلمين فأخذها. فبينما رجل من المسلمين نائم إذ أتاه ثابت في منامه، فقال له : أوصيك بوصية، فاياك أن تقول هذا حلم، فتضيعه، إني لما قتلت أمس مر بى رجل من المسلمين، فأخذ درعي، ومنزله في أقصى الناس، وعند خبائه فرس يستن في طوله، وقد كفا على الدرع برمة وفوق البرمة رحل، فأت خالدا فمره أن يبعث إلى درعى فيأخذها، وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله، يعني أبا بكر الصديق، فقل له : إن عليّ من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقى عتيق، وفلان. 
فأتي الرجل خالدا فأخبره، فبعث إلى الدرع فأتي بها، وحدّث أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته؛ قال : ولا نعلم أحدا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس رحمه الله. انتهى ما ذكره أبو عمرو. 
فقد اتفق خالد أبو بكر الصديق والصحابة معه على العمل بهذه الرؤيا وتنفيذ الوصية بها وانتزاع الدرع ممن هى في يده بها. وهذا محض الفقه.
وإذا كان أبو حنيفة وأحمد ومالك يقبلون قول المدعي من الزوجين ما يصلح له دون الآخر يقرينه صدقة فهذا أولى.