Pas à pas... خطوة بخطوة

بحوث في النَفَسِيّة

إنسياق متموضع

Recherches Spirites


Dérive situationniste


« Naître, mourir, renaître encore et progresser sans cesse, telle est la loi »

« ولادة ثم ممات ثم ولادة مجددا مرة بعد أخرى، فتطور دون هوادة؛ تلك هي سنة الحياة !»

De l'âme à l'Esprit من الروح إلى النفس

خلافا لما يذهب إليه البعض، من باب التعريب الحرفي، من ترجمة Spiritisme إلى الأرواحية، فإني أعتقد أن أفضل ترجمة لهذه الكلمة هي ما ارتأيت وكما أبينه في هذه المدونة؛ فالترجمة الأفضل لكلمة Esprit هي النفس، بينما تبقى الروح مرادفة لكلمة Âme؛ وبذلك يكون التعريب الآصح لكلمة Spiritisme هو : النفسية، بتحريك النون والفاء.

L'Esprit en islam (1) الروح في الإسلام

مقتطفات من كتاب الروح لابن قيم الجوزية
نشرع بهذه السلسلة من المقلات في الحديث عن الروح في الإسلام، ومرجعنا في ذلك كتاب ابن قيم الجوزية وهو بعنوان : «الروح، في الكلام على أرواح الأموات والأحياء بالدلائل من الكتاب والسنة والآثار وأقوال العلماء».
وذلك لأن هذا الفقيه الإسلامي الكبيرهو ممن لا شك في علمه ومعرفته بالدين الإسلامي، خاصة وقد عرف بكونه تلميذ ابن تيمية، وهو أحد أصحاب أحمد ابن حنبل الذي لا يشك في تمسكه بتأويل يكاد يكون حرفيا للقرآن.
وقد اعتمدنا في هذه المقتطفات على النسخة المحققة بعناية خالد العطارالصادرة عن دار الفكر ببيروت سنة 2009.
فمن خلال هذه المقتطفات، كما سنبينه لاحقا — ولكن ذلك سوف لا يخفى على من عرف بعد مباديء النفسية —سنرى أن التوافق لكبير جدا بين الإسلام والنفسية. 
وسنبدأ اليوم بمقاطع مقتضبة من الكتاب حول بعض المسائل المهمة، ثم سنعود إلى العديد منها بالتفصيل من خلال مقتطفات أوسع للتدليل على هذا التناغم الموجود بين الاسلام و النظرية النفسية.  
مسألة : هل تعرف الأموات زيارة الأحياء وسلامهم أم لا؟
— وضح عن عمرو بن دينار أنه قال : ما من ميت يموت إلا هو يعلم ما يكون في أهله بعده، وإنهم ليغسلونه ويكفنونه، وإنه لينظر إليهم. 
—  إجازة وصية بعد الموت... : ولا نعلم أحدا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن  قيس... رواية أبي عمرو بن عبد البر وقد اتفق خالد وأبو بكر الصديق والصحابة معه على العمل بهذه الرؤيا وتنفيذ الوصية بها... 
مسألة : أرواح الموتى هل تتلاقى وتتزاور وتتذاكر أم لا؟
—  وهي أيضا مسألة شريفة كبيرة القدر، وجوابها أن الأرواح قسمان : أرواح معذبة وأرواح منعمة، فالمعذبة في شغل بما هى فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي، والأرواح المنعمة المرسلة غير المحبوسة تتلاقي وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا، وما يكون من أهل الدنيا، فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها، وروح نبينا محمد في الرفيق الأعلى.
قال الله تعالى : «ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا» (سورة النساء، الآية : ٦٩) وهذه المعية ثابتة في الدنيا وفي الدار البرزخ، وفي دار الجزاء، والمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاثة.
— وذكر معاوية بن يحيى عن عبد الله بن سلمة أن أبا رهم المسمعى حدثه أن أبا أيوب الأنصارى حدثه أن رسول الله قال : «إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة من عند الله كما يتلقى البشير في الدنيا، فيقولون : انظروا أخاكم حتى يستريح فإنه كان في كرب شديد، فيسألونه ماذا فعل فلان؟ وماذا فعلت فلانة؟ وهل تزوجت فلانة؟ فإذا سألوه عن رجل مات قبله قال : إنه قد مات قبلي، قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون! ذُهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم وبئست المربية!» (أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» والحاكم في المستدرك؛ وذكره الهندي في «كنز العمال» والسيوطي في «الدر المنثور»).
مسألة : هل تتلاقي أرواح الأحياء وأرواح الأموات أم لا؟
— شواهد هذه المسألة وأدلتها كثر من أن يحصيها إلا الله تعالى والحس والواقع من أعدل الشهود بها فتلقي أرواح الأحياء و الأموات كما تلاقي أرواح الأحياء وقد قال تعالى: «الله يتوفي الأنفس حين موتها والتى لم تمت في منامها فيمسك التى قضي عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» (سورة الزمر، الآية ٤٢).
  قال أبو عبد الله بن منده حدثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم حدثنا عبد الله بن حسين الحراني حدثنا جدى أحمد بن شعيب حدثنا موسى بن عين عن مطرف عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية قال : بلغني أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فيتسألون بينهم فيمسك الله أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها.
  وقال ابن أبي حاتم في تفسيره حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا الحسين حدثنا عامر حدثنا اسباط عن السدى وفي قوله تعالى : والتى لم تمت في منامها، قال : يتوفاها في منامها فيلتقي روح الحى وروح الميت فيتذاكران ويتعارفان، قال : فترجع روح الحى إلى جسده في الدنيا إلى بقية أجلها وتريد روح الميت أن ترجع إلى جسده فتحبس.
وهذا أحد القولين في الآية وهو أن الممسكة من توفيت وفاة الموت أولا والمرسلة من توفيت وفاة النوم والمعنى على هذا القول أنه يتوفي نفس الميت فيمسكها ولا يرسلها إلى جسدها قبل يوم القيامة ويتوفي نفس النائم ثم يرسلها إلى جسده إلى بقية أجلها فيتوفاها الوفاة الأخرى
والقول الثاني في الآية أن الممسكة والمرسلة في الآية كلاهما توفي وفاة النوم فمن استكملت أجلها أمسكها عنده فلا يردها إلى جسدها ومن لم تستكمل أجلها ردها إلى جسدها لتستكمله واختار شيخ الإسلام هذا القول وقال عليه يدل القرآن والسنة قال فإنه سبحانه ذكر إمساك التى قضي عليها الموت من هذه الأنفس التى توفاها وفاة النوم وأما التى توفاها حين موتها فتلك لم يصفها بامساك ولا بإسال بل هى قسم ثالث.
  والذي يترجح هو القول الأول لأنه سبحانه أخبر بوفاتين وفاة كبرى وهى وفاة الموت ووفاة صغرى وهى وفاة النوم وقسم الأرواح قسمين قضي عليها بالموت فأمسكها عنده وهى التى توفاها وفاة الموت وقسما لها بقية أجل فردها إلى جسدها إلى استكمال أجلها وجعل سبحانه الامساك والارسال حكمين للوفاتين المذكورتين أولا فهذه ممسكة وهذه مرسلة وأخبر أن التى لم تمت هى التى توفاها في منامها فلو كان قد قسم وفاة النوم إلى قسمين وفاة موت ووفاة نوم لم يقل «والتى لم تمت في منامها» (سورة الزمر، الآية ٤٢) فإنها من حين قبضت ماتت وهو سبحانه قد أخبر أنها لم تمت فكيف يقول بعد ذلك : «فيمسك التى قضي عليها الموت».
  ولمن نصر هذا القول أن يقول قوله تعالى : «فيمسك التى قضى عليها الموت» بعد أن توفاها وفاة النوم، فهو سبحانه توفاها أولا وفاة نوم، ثم قضي عليها الموت بعد ذلك، والتحقيق أن الآية تتناول النوعين، فإنه سبحانه ذكر وفاتين وفاة نوم ووفاة موت، وذكر إمساك المتوفاة وإرسال الأخرى، ومعلوم أنه سبحانه يمسك كل نفس ميت سواء مات في النوم أو في اليقظة ويرسل نفس من لم يمت، فقوله : «يتوفي الأنفس حين موتها» يتناول من مات في اليقظة ومن مات في المنام.
وقد دل التقاء أرواح الأحياء والأموات أن الحى يرى الميت في منامه فيستخبره ويخبره الميت بما لا يعلم الحي، فيصادف خبره، كما أخبر في الماضي والمستقبل، وربما أخبره بمال دفنه الميت في مكان لم يعلم به سواه، وربما أخبره بدَيْن عليه، وذكر له شواهده وأدلته.
وأبلغ من هذا أنه يخبر بما عمله من عمل لم يطلع عليه أحد من العالمين، وأبلغ من هذا أنه يخبره أنك تأتينا إلى وقت كذا وكذا فيكون كما أخبر، وربما أخبره عن أمور يقطع الحى أنه لم يكن يعرفها غيره، وقد ذكرنا قصة الصعب بن جثامة وقوله لعوف بن مالك ما قال له، وذكرنا قصة ثابت بن قيس بن شماس وأخباره لمن رآه يدرعه وما عليه من الدين.
مسألة : الروح هل تموت أم الموت للبدن وحده؟
الصواب أن يقال : موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها، فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدما محضا، فهى لا تموت بهذا الاعتبار، بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب كما سيأتى ان شاء الله تعالى بعد هذا، وكما صرح به النص انها كذلك حتى يردها الله في جسدها. 
مسألة : الموت معاد وبعث أول
الله سبحانه وتعالى جعل لابن آدم معادين وبعثين يجزى فيهما الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى. فالبعث الأول : مفارقة الروح للبدن ومصيرها إلى دار الجزاء الأول.
والبعث الثانى : يوم يرد الله الأرواح إلى أجسادها ويبعثها من قبورها إلى الجنة أو النار، وهو الحشر الثانى؛ ولهذا في الحديث الصحيح «وتؤمن بالبعث الآخر» (أخرجه البخاري في [2] كتاب الإيمان : [37] باب سؤال جبريل النبي عن الإيمان والإسلام [الحديث : 50]، وأخرجه مسلم في [1] كتاب الإيمان : [1] باب الإيمان ما هو؟ [الحديث : 97])، فإن البعث الأول لا ينكره أحد، وإن أنكر كثير من الناس الجزاء فيه والنعيم والعذاب، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى هاتين القيامتين، وهما الصغرى والكبرى، في سورة المؤمنين، وسورة الواقعة، وسورة القيامة، وسورة المطففين، وسورة الفجر، وغيرها من السور؛ وقد اقتضى عدله وحكمته أن جعلها دارى جزاء المحسن والمسىء، ولكن توفية الجزاء إنما يكون يوم المعاد الثانى في دار القرار كما قال تعالى : «كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة» (سورة آل عمران، الآية : 185). 
مسألة : أين مستقر الأرواح ما بين الموت إلى القيامة؟
هذه مسالة عظيمة تكلم فيها للناس واختلفوا فيها، وقال مالك : بلغنى أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت... ففي هذا الحديث بيان سرعة انتقال أرواحهم من العرش إلى الثرى، ثم انتقالها من الثرى إلى مكانها؛ ولهذا قال مالك وغيره من الأئمة : إن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت، وما يراه الناس من أرواح الموتى ومجيئهم إليهم من المكان البعيد أمر يعلمه عامة الناس ولا يشكون فيه. والله أعلم. 
ومما ينبغي أن يعلم أن ما ذكرنا من شأن الروح يختلف بحسب حال الأرواح من القوة والضعف والكبر والصغر، فللروح العظيمة الكبيرة من ذلك ما ليس لمن هو دونها. وأنت ترى أحكام الأرواح في الدنيا كيف تتفاوت أعظم تفاوت بحسب تفارق الأرواح في كيفياتها وقواها وإبطائها وإسراعها والمعاونة لها؛ فللروح المطلقة من أسر البدن وعلائقه وعوائقه من التصرف والقوة والنفاذ والهمة وسرعة الصعود إلى الله والتعلق بالله ما ليس للروح المهينة المحبوسة في علائق البدن وعوائقه؛ فإذا كان هذا وهي محبوسة في بدنه،ا فكيف إذا تجردت وفارقته واجتمعت فيها قواها، وكانت في أصل شأنها روحا علية زكيه كبيرة ذات همة عالية؟ فهذه لها بعد مفارقة البدن شأن آخر وفعل آخر.
وقد تواترت الرؤيا في أصناف بنى آدم على فعل الأرواح بعد موتها ما لا تقدر على مثله حال اتصالها بالبدن من هزيمة الجيوش الكثيرة بالواحد والاثنين والعدد القليل ونحو ذلك، وكم قد رئى النبي، ومعه أبو بكر وعمر في النوم قد هزمت أرواحهم عساكر الكفر والظلم، فإذا بجيوشهم مغلوبة مكسورة مع كثرة عددهم وعددهم وضعف المؤمنين وقلتهم.
ومن العجب أن أرواح المؤمنين المتحابين المتعارفين تتلاقى وبينها أعظم مسافة وأبعدها، فتتألم وتتعارف، فيعرف بعضها بعضا، كأنه جليسه وعشيره، فإذا رآه طابق ذلك ما كان عرفته روحه قبل رؤيته. 
مسألة : ما حقيقة النفس ؟ 
وكان الجبائي يذهب إلى أن الروح جسم، وأنها غير الحياة، والحياة عرض، ويعتل بقول أهل اللغة : خرجت روح الإنسان، وزعم أن الروح لا تجوز عليها الأعراض.
وقيل : إنه جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم نورانى علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدهن في الزيتون، والنار في الفحم. فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف، بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكا لهذه الأعضاء، وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية.
وإذا فسدت هذه الأعضاء بسب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن وانفصل إلى عالم الأرواح.
وهذا القول هو الصواب في المسألة، وهو الذي لا يصح غيره، وكل الأقوال سواه باطلة، وعليه دل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة.
وقد اشترك عامة أهل الأرض في العلم بلقاء أرواح الموتى وسؤالهم لهم، وإخبارهم إياهم بأمور خفيت عليهم، فرأوها عيانا، وهذا أكثر من أن يتكلف إيراده. وأعجب من هذا، أن روح النائم يحصل لها في المنام آثار فتصبح يراها على البدن عيانا، وهي من تأثير الروح في الروح، كما ذكر القيراوني في (كتاب البستان) عن بعض السلف.
والوقائع في هذا الباب أكثر من أن تذكر. قال بعض الناس : إن أصل الطب من المنامات، ولا ريب أن كثيرا من أصوله مستند إلى الرؤيا؛ كما أن بعضها عن التجارب، وبعضها عن القياس، وبعضها عن إلهام؛ ومن أراد الوقوف على ذلك فلينظر في (تاريخ الأطباء) وفي (كتاب البستان) للقيرواني وغير ذلك.
مسألة : هل النفس والروح شيء واحد أو شيئان متغايران؟
فأختلف الناس في ذلك. فمن قائل : إن مسماهما واحد، وهم الجمهور. ومن قائل : إنهما متغايران.
فالفرق بين النفس والروح فرق بالصفات لا فرق بالذات، وإنما سمي الدم نفسا لأن خروجه الذي يكون معه الموت يلازم خروج النفس، وإن الحياة لا تتم إلا به، كما لا تتم إلا بالنفس،
وقالت فرقة أخرى من أهل الحديث والفقه والتصوف : الروح غير النفس.
قال مقاتل بن سليمان : للإنسان حياة وروح ونفس، فإذا نام خرجت نفسه التي يعقل بها الأشياء ولم تفارق الجس،د بل تخرج كحبل ممتد له شعاع فيرى الرؤيا بالنفس التي خرجت منه، وتبقى الحياة والروح في الجسد فيه يتقلب ويتنفس، فإذا حرك رجعت إليه أسرع من طرفة عين، فإذا أراد الله عز وجل أن يميته في المنام أمسك تلك النفس التي خرجت. وقال أيضا : إذا نام خرجت نفسه فصعدت إلى فوق، فإذا رأت الرؤيا رجعت فأخبرت الروح ويخبر الروح فيصبح يعلم أنه قد رأى كيت وكيت.
قلت : أما الروح التي تتوفى وتقبض فهي روح واحدة، وهي النفس. وأما ما يؤيد الله به أولياءه من الروح فهي روح أخرى غير هذه الروح، كما قال تعالى : «أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه» (سورة المجادلة، الآية : ٢٢). وكذلك الروح الذي أيد بها روحه المسح ابن مريم، كما قال تعالى : «إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدك بروح القدس» (سورة المائدة، الآية : ١١٠)، وكذلك الروح التي يلقيها على من يشاء من عباده هي غير الروح التي في البدن.
وأما القوى التي في البدن، فإنها تسمى أيضا أرواحا، فيقال : الروح الباصر والروح السامع والروح الشامّ، فهذه الأرواح قوى مودعة في البدن تموت بموت الأبدان، وهي غير الروح التي لا تموت بموت البدن، ولا تبلى كما يبلى. ويطلق الروح على أخص من هذا كل، وهو قوة المعرفة بالله والإنابة إليه، ومحبته وانبعاث الهمة إلى طلبه وإرادته. ونسبة هذه الروح إلى الروح كنسبة الروح إلى البدن، فإذا فقدتها الروح كانت بمنزلة البدن إذا فقد روحه، وهي الروح التي يؤيد بها أهل ولايته وطاعته، ولهذا يقول الناس : فلان فيه روح، وفلان ما فيه روح، وهو : بَوّ، وهو قصبة فارغة، ونحو ذلك.
فللعلم روح، وللإحسان روح، وللإخلاص روح، وللمحبة والإنابة روح، وللتوكل والصدق روح، والناس متفاوتون في هذه الأرواح أعظم تفاوت، فمنهم من تغلب عليه هذه الأرواح فيصير روحانيا، ومنهم من يفقدها أو أكثرها فيصير أرضيا بهيميا؛ والله المستعان.