Pas à pas... خطوة بخطوة

بحوث في النَفَسِيّة

إنسياق متموضع

Recherches Spirites


Dérive situationniste


« Naître, mourir, renaître encore et progresser sans cesse, telle est la loi »

« ولادة ثم ممات ثم ولادة مجددا مرة بعد أخرى، فتطور دون هوادة؛ تلك هي سنة الحياة !»

De l'âme à l'Esprit من الروح إلى النفس

خلافا لما يذهب إليه البعض، من باب التعريب الحرفي، من ترجمة Spiritisme إلى الأرواحية، فإني أعتقد أن أفضل ترجمة لهذه الكلمة هي ما ارتأيت وكما أبينه في هذه المدونة؛ فالترجمة الأفضل لكلمة Esprit هي النفس، بينما تبقى الروح مرادفة لكلمة Âme؛ وبذلك يكون التعريب الآصح لكلمة Spiritisme هو : النفسية، بتحريك النون والفاء.

L'Esprit en islam (7) الروح في الإسلام

في مصير الروح بعد الموت
وأمر التجاسد 
مقتطف من كتاب 
الروح
في الكلام على على أرواح الأموات والأحياء
 بالدلائل من الكتاب والسنة
والآثار وأقوال العلماء 
لمؤلفه
محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله 
المعروف بابن قيم الجوزية


المسالة الخامسة عشرة وهى : أين مستقر الأرواح ما بين الموت إلى القيامة هل هى في السماء أم في الأرض وهل هي في الجنة أم لا وهل تودع في أجساد غير أجسادها التي كانت فيها فتنعم وتعذب فيها أم تكون مجردة؟
هذه مسالة عظيمة تكلم فيها للناس واختلفوا فيها، وهى إنما تتلقى من السمع فقط؛ واختلف في ذلك، فقال قائلون : أرواح المؤمنين عند الله في الجنة شهداء كانوا أم غير شهداء إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة ولا دين، وتلقاهم ربهم بالعفو عنهم والرحمة لهم، وهذا مذهب أبى هريرة وعبد الله بن عمر رضى الله عنهم. وقالت طائفة : هم بفناء الجنة على بابها يأتيهم من روحها ونعيمها ورزقها. وقالت طائفة : الأرواح على افنية قبورها.
وقال مالك : بلغنى أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت. وقال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله : أرواح الكفار في النار، وأرواح المؤمنين في الجنة. وقال أبو عبد الله بن منده : وقال طائفة من الصحابة والتابعين : أرواح المؤمنين عند الله عز و جل ولم يزيدوا على ذلك...
واما النصوص والآثار التي ذكر في رزق الشهداء، وكون أرواحهم في الجنة، فكلها حق، وهي لا تدل على انتفاء دخول أرواح المؤمنين الجنة، ولا سيما الصديقين الذين هم أفضل من الشهداء بلا نزاع بين الناس، فيقال لهؤلاء : ما تقولون في أرواح الصديقين هل هى في الجنة أم لا؟
فإن قالوا : إنها في الجنة، ولا يسوغ لهم غير هذا القول، فثبت أن هذه النصوص لا تدل على اختصاص أرواح الشهداء بذلك؛ وإن قالوا : ليست في الجنة لزمهم من ذلك أن تكون أرواح سادات الصحابة كابى بكر الصديق وأبى بن كعب وعبد الله بن مسعود وأبى الدرداء وحذيفة بن اليمان وأشباههم رضى الله عنهم ليست في الجنة، وأرواح شهداء زماننا في الجنة، وهذا معلوم البطلان ضرورة. 
فإن قيل : فإن كان هذا حكم لا يختص بالشهداء فما الموجب لتخصيصهم بالذكر في هذه النصوص؟ قلت : التنبيه على فضل الشهادة وعلو درجتها، وإن هذا مضمون لأهلها، ولا بد وإن لهم منها أوفر نصيب، فنصيبهم من هذا النعيم في البرزخ أكمل من نصيب غيرهم من الأموات على فراشهم، وإن كان الميت على فراشه أعلى درجة منهم، فله نعيم يختص به لا يشاركه فيه من هو دونه.
ويدل على هذا أن الله سبحانه جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، فإنهم لما بذلوا أنفسهم لله حتى أتلفها أعداؤه فيه أعاضهم منها في البرزخ أبدانا خيرا منها تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون نعيمها بواسطة تلك الأبدان أكمل من نعيم الأرواح المجردة عنها، ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير، أو كطير، ونسمة الشهيد في جوف طير، وتأمل لفظ الحديثين فانه قال : «نسمة المؤمن طير» فهذا يعم الشهيد وغيره، ثم خص للشهيد بأن قال «وهي في جوف طير» ومعلوم أنها إذا كانت في جوف طير صدق عليها أنها طير، فصلوات الله وسلامه على من يصدق كلامه بعضه بعضا ويدل على أنه حق من عند الله، وهذا الجمع أحسن من جمع أبى عمر وترجيحه رواية من روى أرواحهم كطير خضر، بل الروايتان حق وصواب، فهي كطير خضر، وفي أجواف طير خضر.
وقد ذكر أبو عبد الله بن منده من حديث عيسى بن عبد الرحمن، حدثنا ابن شهاب، حدثنا عامر بن سعيد عن إسماعيل بن طلحة بن عبيد الله، عن أبيه، قال: أردت مالي بالغابة، فأدركنى الليل، فأويت إلى قبر عبد الله بن عمر بن حرام، فسمعت قراءة من القبر ما سمعت أحسن منها، فجئت إلى رسول الله، فذكرت ذلك له، فقال : «ذلك عبد الله ألم تعلم أن الله قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت، ثم علقها وسط الجنة، فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم، فلا يزال كذلك حتى إذا طلع الفجر ردت أرواحهم إلى مكانهم الذي كانت به».
ففي هذا الحديث بيان سرعة انتقال أرواحهم من العرش إلى الثرى، ثم انتقالها من الثرى إلى مكانها؛ ولهذا قال مالك وغيره من الأئمة : إن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت، وما يراه الناس من أرواح الموتى ومجيئهم إليهم من المكان البعيد أمر يعلمه عامة الناس ولا يشكون فيه. والله أعلم.
فصل
ومما ينبغي أن يعلم أن ما ذكرنا من شأن الروح يختلف بحسب حال الأرواح من القوة والضعف والكبر والصغر، فللروح العظيمة الكبيرة من ذلك ما ليس لمن هو دونها. وأنت ترى أحكام الأرواح في الدنيا كيف تتفاوت أعظم تفاوت بحسب تفارق الأرواح في كيفياتها وقواها وإبطائها وإسراعها والمعاونة لها؛ فللروح المطلقة من أسر البدن وعلائقه وعوائقه من التصرف والقوة والنفاذ والهمة وسرعة الصعود إلى الله والتعلق بالله ما ليس للروح المهينة المحبوسة في علائق البدن وعوائقه؛ فإذا كان هذا وهي محبوسة في بدنه، فكيف إذا تجردت وفارقته واجتمعت فيها قواها، وكانت في أصل شأنها روحا علية زكيه كبيرة ذات همة عالية؟ فهذه لها بعد مفارقة البدن شأن آخر وفعل آخر. 
وقد تواترت الرؤيا في أصناف بنى آدم على فعل الأرواح بعد موتها ما لا تقدر على مثله حال اتصالها بالبدن من هزيمة الجيوش الكثيرة بالواحد والاثنين والعدد القليل ونحو ذلك، وكم قد رئى النبي، ومعه أبو بكر وعمر في النوم قد هزمت أرواحهم عساكر الكفر والظلم، فإذا بجيوشهم مغلوبة مكسورة مع كثرة عددهم وعددهم وضعف المؤمنين وقلتهم. 
ومن العجب أن أرواح المؤمنين المتحابين المتعارفين تتلاقى وبينها أعظم مسافة وأبعدها، فتتألم وتتعارف، فيعرف بعضها بعضا، كأنه جليسه وعشيره، فإذا رآه طابق ذلك ما كان عرفته روحه قبل رؤيته. 
قال عبد الله بن عمرو : إن أرواح المؤمنين تتلاقى على مسيرة يوم وما أرى أحدهما صاحبه قط (أخرجه الإمام أحمد في مسنده [الحديث : 7068] ج 2 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وأخرجه البيهقي في [41] كتاب الزهد [72-3] باب [الحديث : 17979]. وذكره الزبيدي في إتحاف السادة المتقين [6\182]، وذكره العراقي في المغني عن حمل الأسفار [2\159]، وذكره الهندي في كنز العمال [الحديث : 725]). ورفعه بعضهم إلى النبي. 
وقال عكرمة ومجاهد : إذا نام الإنسان فان له سببا يجرى فيه الروح وأصله في الجسد، فتبلغ حيث شاء الله ما دام ذاهبا فالإنسان نائم، فإذا رجع إلى البدن انتبه الإنسان، وكان بمنزلة شعاع الشمس الذي هو ساقط بالأرض، فأصله متصل بالشمس. وقد ذكر أبو عبد الله بن منده عن بعض أهل العلم أنه قال : إن الروح يمتد من منخر الإنسان، ومركبه وأصله في بدنه، فلو خرج الروح بالكلية لمات، كما أن السراج لو فرق بينه وبين الفتيلة. ألا ترى أن مركب النار في الفتيلة وضؤوها وشعاعها يملأ البيت؟ فكذلك الروح تمتد من منخر الإنسان في منامه حتى تأتى السماء، وتجول في البلدان، وتلتقي مع أرواح الموتى، فإذا أراه الملك الموكل بأرواح العباد ما أحب أن يريه، وكان المرئيّ في اليقظة عاقلا ذكيا صدوقا لا يلتفت في يقظته إلى شيء من الباطل رجع إليه روحه فأدى إلى قلبه الصدق مما أراه الله عز و جل على حسب خلقه، وإن كان خفيفا نزقا يحب الباطل والنظر إليه، فإذا نام وأراه الله أمرا من خيرا وشر رجعت روحه إليه، فحيث ما رأي شيئا من مخاريق الشيطان أو الباطل وقفت روحه عليه كما تقف في يقظته، فكذلك لا يؤدى إلى قلبه فلا يعقل ما رأي لأنه خلط الحق بالباطل، فلا يمكن معبر أن يعبر له وقد خلط الحق بالباطل.
وهذا من أحسن الكلام، وهو دليل على معرفة قائله وبصيرته بالأرواح وأحكامها.
وأنت ترى الرجل يسمع العلم والحكمة وما هو أنفع شيء له، ثم يمر بباطل ولهو من غناء أو شبهة أو زور أو غيره، فيصغي إليه، ويفتح له قلبه، حتى يتأدى إليه، فيتخبط عليه ذلك الذي سمعه من العلم والحكمة، ويلتبس عليه الحق بالباطل؛ فهكذا شأن الأرواح عند النوم. وأما بعد المفارقة، فإنها تعذب بتلك الاعتقادات والشه ! الباطلة التي كانت حظها حال اتصالها بالبدن، وينضاف إلى ذلك عذابها بتلك الإرادات والشهوات التي حيل بينها وبينها، وينضاف إلى ذلك عذاب آخر ينشئه الله لها ولبدنها من الأعمال التي اشتركت معه فيها؛ وهذه هي المعيشة الضنك في البرزخ والزاد الذي تزود به إليه.
والروح الزكيه العلوية المحقة، التي لا تحب الباطل ولا تألفه بضد ذلك كله، تنعم بتلك الاعتقادات الصحيحة والعلوم والمعارف التي تلقتها من مشكاة النبوة، وتلك الإرادات والهمم الزكية، وينشئ الله سبحانه لها من أعمالها نعيما ينعمها به في البرزخ، فتصير لها روضة من رياض الجنة؛ ولتلك حفرة من حفر النار.
فصل
وأما قول من قال : إن أرواح المؤمنين في برزخ من الأرض تذهب
حيث شاءت، فهذا مروى عن سلمان الفارسي؛ والبرزخ هو الحاجز بين شيئين؛ وكأن سلمان أراد بها في أرض بين الدنيا والآخرة مرسلة هناك تذهب حيث شاءت، وهذا قول قوى. فإنها قد فارقت الدنيا ولم تلج الآخرة، بل هي في برزخ بينهما؛ فأرواح المؤمنين في برزخ واسع فيه الروح والريحان والنعيم، وأرواح الكفار في برزخ ضيق فيه الغم والعذاب. وقال تعالى : «ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون» (سورة المؤمنون، الآية : ١٠٠)، فالبرزخ هنا ما بين الدنيا والآخرة، وأصله الحاجز بين الشيئين (ذكره الطبري في تفسيره [10\ 53]).
فصل
 وأما قول أبى محمد بن حزم : إن مستقرها حيث كانت قبل خلق
أجسادها فهذا بناء منه على مذهبه الذي اختاره، وهو أن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد (ذكره ابن عراق في تنزيه الشريعة [1\368]، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات [1\401]، وذكره السيوطي في اللآلي المصنوعة [1\199]، وذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة [الحديث : 382].).
وهذا فيه قولان للناس، وجمهورهم على أن الأرواح خلقت بعد الأجساد؛ والذين قالوا أنها خلقت قبل الأجساد ليس معهم على ذلك دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع إلا ما فهموه من نصوص لا تدل على ذلك أو أحاديث لا تصح، كما احتج به أبو محمد بن حزم من قوله تعالى : «وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا» (الأعراف : ١٧٢)، وبقوله تعالى : «ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا» (سورة الأعراف، الآية : ١١)؛ قال : فصح أن الله خلق الأرواح جملة وهي الأنفس، وكذلك أخبر عليه السلام «أن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» (أخرجه البخاري في [60] كتاب : الأنبياء [2] باب : الأرواح جنود مجندة [الحديث : 3336]، وأخرجه مسلم في [45] كتاب البر والصلة [49] باب : الأرواح جنود مجندة [الحديث : 159]...)، قال: وأخذ عز و جل عهدها وشهادتها وهي مخلوقة مصورة عاقلة قبل أن يأمر الملائكة بالسجود لآدم وقبل أن يدخلها في الأجساد، والأجساد يومئذ تراب. وقال : لأن الله تعالى خلق ذلك بلفظه ثم التى توجب التعقيب والمهلة، ثم أقرها سبحانه وتعالى حيث شاء، وهو البرزخ الذي ترجع إليه عند الموت. 
وسنذكر ما في هذا الاستدلال عند جواب سؤال السائل عن الأرواح هي مخلوقة مع الأبدان أم قبلها، إذ الغرض هنا الكلام على مستقر الأرواح بعد الموت، وقوله: إنها تستقر في البرزخ الذي كانت فيه قبل خلق الأجساد مبنى على هذا الاعتقاد الذي اعتقده، وقوله : إن أرواح السعداء عن يمين آدم، وأرواح الكفار الأشقياء عن يساره حق، كما أخبر به النبي، وقوله: إن ذلك عند منقطع العناصر لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، ولا يشبه أقوال أهل الإسلام؛ والأحاديث الصحيحة تدل على أن الأرواح فوق العناصر في الجنة عند الله، وأدلة القرآن تدل على ذلك؛ وقد وافق أبو محمد على أن أرواح الشهداء في الجنة، ومعلوم أن الصديقين أفضل منهم، فكيف تكون روح أبى بكر الصديق وعبد الله بن مسعود وأبى الدرداء وحذيفة بن اليمان وأشباههم رضى الله عنهم عند منقطع العناصر، وذلك تحت هذا الفلك الأدنى وتحت السماء الدنيا، وتكون أرواح شهداء زماننا وغيرهم فوق العناصر وفوق السموات؟! ...
فصل
وأما قول من قال : إن مستقرها بعد الموت أبدان أخر غير هذه الأبدان، فهذا القول فيه حق وباطل. 
فأما الحق، فما أخبر الصادق المصدوق عن أرواح الشهداء أنها في حواصل طير خضر، تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، هي لها كالأوكار للطائر، وقد صرح بذلك في قوله : «جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر».
وأما قوله : «نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة» (أخرجه النسائي في [21] كتاب الجنائز [117] باب أرواح المؤمنين وغيرهم [الحديث : 2072]، وأخرجه الترمذي في [23] كتاب فضائل الجهاد [13] باب ما جاء في ثواب الشهداء [الحديث : 1641]، وأخرجه ابن ماجه في[37] كتاب الزهد [32]، باب ذكره القبر والبلى [الحديث : 4271]...) يحتمل أن يكون هذا الطائر مركبا للروح كالبدن لها، ويكون ذلك لبعض المؤمنين والشهداء، ويحتمل أن يكون الروح في صورة طائر، وهذا اختيار أبى محمد بن حزم وأبى عمر بن عبد البر، وقد تقدم كلام أبى عمر، والكلام عليه، وأما ابن حزم فانه قال : معنى قوله «نسمة المؤمن طائر يعلق» هو على ظاهره، لا على ظن أهل الجهل، وإنما أخبر أن نسمة المؤمن طائر يعلق، بمعنى أنها تطير في الجنة، لا أنها تمسخ فى صورة الطير. قال : فإن قيل : إن النسمة مؤنثة، قلنا : قد صح عن عربي فصيح أنه قال : أتتك كتابي فاستخففت بها، فقيل له : أتؤنث الكتاب؟ قال : أوليس صحيفة؟ وكذلك النسمة تذكر كذلك؛ قال : وأما الزيادة التي فيها أنها في حواصل طير خضر، فإنها صفة تلك القناديل التي تأوي إليها، والحديثان معا حديث واحد.
وهذا الذي قاله في غاية الفساد لفظا ومعنى، فإن حديث نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة غير حديث أرواح الشهداء في حواصل طير خضر، والذي ذكره محتمل في الحديث الأول، وأما الحديث الثاني فلا يحتمله بوجه، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن أرواحهم في حواصل طير، وفي لفظ : في أجواف طير خضر، وفي لفظ : بيض، وأن تلك الطير تسرح في الجنة فتأكل من ثمارها وتشرب من أنهارها، ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش هي لها كالأوكار للطائر، وقوله : إن حواصل تلك الطير هي صفة القناديل التي تأوي إليها خطأ قطعا، بل تلك القناديل مأوى لتلك الطير، فهاهنا ثلاثة أمور صرح بها الحديث : أرواح، وطير هي في أجوافها، وقناديل هي مأوى لتلك الطير. والقناديل مستقرة تحت العرش لا تسرح، والطير تسرح وتذهب وتجيء ،والأرواح في أجوافها.
وإن قيل يحتمل أن تجعل نفسها في صورة طير، لا أنها تركب في بدن طير، كما قال تعالى : «في أي صورة ما شاء ركبك» (الانفطار : ٨) ويدل عليه قوله في اللفظ الآخر ك «أرواحهم كطير خضر»، كذلك رواه ابن أبى شيبة، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله.
قال أبو عمر : والذي يشبه عندي والله أعلم أن يكون القول قول من قال : كطير أو صورة طير لمطابقته لحديثنا المذكور، يعنى حديث كعب بن مالك في نسمة المؤمن. 
فالجواب أن هذا الحديث قد روى بهذين اللفظين، والذي رواه مسلم في الصحيح من حديث الأعمش، عن مسروق، فلم يختلف حديثهما أنها في أجواف طير خضر. 
وأما حديث ابن عباس، فقال عثمان بن أبى شيبة : حدثنا عبد الله بن إدريس، عن محمد ابن إسحاق، عن إسماعيل بن أمية، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال : قال رسول الله : «لما أصيب إخوانكم، يعنى يوم أحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوى إلى قناديل من ذهب مدلاة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا : من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق، لئلا ينكلوا عن الحرب، ولا يزهدوا في الجهاد، فقال الله تعالى : أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى : (أخرجه أبو داود [9] في كتاب الجهاد [27] باب في فضل الشهادة [الحديث : 2520]، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده [الحديث : 2388] ج 1 في مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي... ) «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون» (سورة آل عمران، الآية : 169). 
وأما حديث كعب بن مالك، فهو في السنن الأربعة ومسند أحمد، ولفظه للترمذي، أن رسول الله قال : «إن أرواح الشهداء في طير خضر تعلق من ثمر الجنة أو شجر الجنة» (أخرجه الترمذي [23] في كتاب فضائل الجهاد [13] باب ما جاء في ثواب الشهداء [الحديث : 1641]، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده [الحديث : 27236] ج 1 من حديث كعب بن مالك،،،)، قال الترمذى : هذا حديث حسن صحيح، ولا محذور في هذا ولا يبطل قاعدة من قواعد الشرع، ولا يخالف نصا من كتاب ولا سنة عن رسول الله، بل هذا من تمام إكرام الله للشهداء أن أعاضهم من أبدانهم التي مزقوها لله أبدانا خيرا منها تكون مركبا لأرواحهم ليحصل بها كمال تنعمهم، فإذا كان يوم القيامة رد أرواحهم إلى تلك الأبدان التي كانت فيها في الدنيا.
فان قيل : فهذا هو القول بالتناسخ وحلول الأرواح في أبدان غير أبدانها التي كانت فيها. قيل : هذا المعنى الذي دلت عليه السنة الصريحة حق يجب اعتقاده، ولا يبطله تسميه المسمى له تناسخا، كما أن إثبات ما دل عليه العقل والنقل من صفات الله عز و جل وحقائق أسمائه الحسنى حق لا يبطله تسمية المعطلين لها تركيبا وتجسيما، وكذلك ما دل عليه العقل والنقل من إثبات أفعاله وكلامه بمشيئته، ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا، ومجيئه يوم القيامة للفصل بين عباده حق لا يبطله تسمية المعطلين له حلول حوادث، كما أن ما دل عليه العقل والنقل من علو الله على خلقه، ومباينته لهم، واستوائه على عرشه، وعروج الملائكة والروح إليه، ونزولها من عنده، وصعود الكلم الطيب إليه، وعروج رسوله إليه، ودنوه منه حتى صار قاب قوسين أو أدنى، وغير ذلك من الأدلة حق لا يبطله تسمية الجهمية له حيزا وجهة وتجسيما. 
قال الإمام أحمد : «لا نُزيل عن الله صفة من صفاته لأجل شناعة المشنعين». قال : فان هذا شأن أهل البدع يلقبون أهل السنة وأقوالها بالألقاب التي ينفرون منها الجهال، ويسمونها حشوا وتركيبا وتجسيما، ويسمون عرش الرب تبارك وتعالى حيزا وجهة ليتوصلوا بذلك إلى نفي علوه على خلقه واستوائه على عرشه كما تسمى الرافضة موالاة أصحاب رسول الله كلهم ومحبتهم والدعاء لهم نصا، وكما تسمى القدرية المجوسية إثبات القدر جبرا. فليس الشأن في الألقاب، وإنما الشأن في الحقائق والمقصود أن [تسمية] ما دلت عليه [السنة] الصريحة من جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تناسخا لا يبطل هذا المعنى، وإنما التناسخ الباطل ما تقوله أعداء الرسل من الملاحدة وغيرهم الذين ينكرون المعاد : أن الأرواح تصير بعد مفارقة الأبدان إلى أجناس الحيوان والحشرات والطيور التي تناسبها وتشاكلها، فإذا فارقت هذه الأبدان انتقلت إلى أبدان تلك الحيوانات، فتنعم فيها أو تعذب، ثم تفارقها وتحل في أبدان أخر تناسب أعمالها وأخلاقها، وهكذا أبدا؛ فهذا معادها عندهم ونعيمها وعذابها، لا معاد لها عندهم غير ذلك؛ فهذا هو التناسخ الباطل المخالف لما اتفقت عليه الرسل والأنبياء من أولهم إلى آخرهم، وهو كفر بالله واليوم الآخر؛ وهذه الطائفة يقولون : إن مستقر الأرواح بعد المفارقة لأبدان الحيوانات التي تناسبها، وهو ابطل قول وأخبثه، ويليه قول من قال: إن الأرواح تعدم جملة بالموت ولا تبقى هناك روح تنعم ولا تعذب، بل النعيم والعذاب يقع على أجزاء الجسد أو جزء منه، إما عَجْبٍ أو غيره، فيخلق الله فيه الألم واللذة إما بواسطة رد الحياة إليه كما قاله بعض أرباب هذا القول، أو بدون رد الحياة كما قاله آخرون منهم، فهؤلاء عندهم لا عذاب في البرزخ إلا على الأجساد، ومقابلهم من يقول : إن الروح لا تعاد إلى الجسد بوجه ولا تتصل به، والعذاب والنعيم على الروح فقط، والسنة الصريحة المتواترة ترد قول هؤلاء وهؤلاء وتبين أن العذاب على الروح والجسد مجتمعين ومنفردين.
فإن قيل فقد ذكرتم أقوال الناس في مستقر الأرواح ومأخذهم، فما هو الراجح من هذه الأقوال حتى نعتقده؟ قيل : الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت، فمنها : أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهم متفاوتون في منازلهم، كما رآهم النبي ليلة الإسراء. 
ومنها : أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، وهي أرواح بعض الشهداء لا جميعهم، بل من الشهداء من تحبس روحه عن دخول الجنة لدين عليه أو غيره، كما في المسند، عن محمد بن عبد الله بن جحش، أن رجلا جاء إلى النبي فقال : يا رسول الله مالي إن قتلت في سبيل الله؟ قال : «الجنة». فلما ولى قال : «إلا الذي سارّني به جبريل آنفا». 
ومنهم : من يكون محبوسا على باب الجنة كما في الحديث الآخر : «رأيت صاحبكم محبوسا على باب الجنة». 
ومنهم من يكون محبوسا في قبره كحديث صاحب الشملة التي غلها ثم استشهد،  فقال الناس : هنيئا له الجنة، فقال النبي : «والذي نفسي بيده إن الشملة التي غلها لتشتعل عليه نارا في قبره» (أخرجه البخاري في [83] كتاب الأيمان والنذور [33] باب هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم والزرع والأمتعة [الحديث : 6707]، وأخرجه مسلم في [1] كتاب الأيمان [48] باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون [الحديث : 183\115] بألفاظ متقاربة،...). 
ومنهم : من يكون مقره باب الجنة، كما في حديث ابن عباس : «الشهداء على بارق نهر بباب الجنة، في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية»، رواه أحمد (أخرجه الإمام أحمد في مسنده [الحديث : 2390] ج 1 من حديث عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي...). وهذا بخلاف جعفر بن أبى طالب حيث أبدله الله من يديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء.
ومنهم : من يكون محبوسا في الأرض، لم تعل روحه إلى الملأ الأعلى، فإنها كانت روحا سفلية أرضية، فإن الأنفس الأرضية لا تجامع الأنفس السماوية، كما لا تجامعها في الدنيا، والنفس التي لم تكتسب في الدنيا معرفة ربها ومحبته وذكره والأنس به والتقرب إليه بل هي أرضية سفلية، لا تكون بعد المفارقة لبدنها إلا هناك؛ كما أن النفس العلوية التي كانت في الدنيا عاكفة على محبة الله وذكره والتقرب إليه والأنس به تكون بعد المفارقة مع الأرواح العلوية المناسبة لها. فالمرء مع من احب في البرزخ ويوم القيامة، والله تعالى يزوج النفوس بعضها ببعض في البرزخ ويوم المعاد، كما تقدم في الحديث، ويجعل روحه، يعنى المؤمن، مع النسم الطيب، أي الأرواح الطيبة المشاكلة، فالروح بعد المفارقة تلحق بأشكالها وإخوانها وأصحاب عملها فتكون معهم هناك. 
ومنها: أرواح تكون في تنور الزناة والزواني، وأرواح في نهر الدم تسبح فيه وتلقم الحجارة، فليس للأرواح، سعيدها وشقيها، مستقر واحد، بل روح في أعلى عليين، وروح أرضية سفلية لا تصعد عن الأرض. 
وأنت إذا تأملت السنن والآثار في هذا الباب، وكان لك بها فضل اعتناء، عرفت حجة ذلك؛ ولا تظن أن بين الآثار الصحيحة في هذا الباب تعارضا، فإنها كلها حق يصدق بعضها بعضا، لكن الشأن في فهمها، ومعرفة النفس وأحكامها، وأن لها شانا غير شأن البدن، وأنها مع كونها في الجنة، فهي في السماء، وتتصل بفناء القبر وبالبدن فيه، وهي أسرع شيء حركة وانتقالا وصعودا وهبوطا، وأنها تنقسم إلى مرسلة ومحبوسة وعلوية وسفلية، ولها بعد المفارقة صحة ومرض ولذة ونعيم والم أعظم مما كان لها حال اتصالها بالبدن بكثير، فهنالك الحبس والألم والعذاب والمرض والحسرة، وهنالك اللذة والراحة والنعيم والإطلاق، وما أشبه حالها في هذا البدن بحال ولد في بطن أمه، وحالها بعد المفارقة بحاله بعد خروجه من البطن إلى هذه الدار. 
فلهذه الأنفس أربع دور، كل دار أعظم من التي قبلها؛
الدار الأولى : في بطن الأم، وذلك الحصر والضيق والغم والظلمات الثلاث.
والدار الثانية : هي الدار التي نشأت فيها والفتها واكتسبت فيها الخبر والشر وأسباب السعادة والشقاوة. 
والدار الثالثة : دار البرزخ، وهي أوسع من هذه الدار وأعظم بل نسبتها إليه كنسبة هذه الدار إلى الأولى. 
والدار الرابعة : دار القرار، وهي الجنة أو النار، فلا دار بعدها، والله ينقلها في هذه الدور طبقا بعد طبق حتى يبلغها الدار التي لا يصلح لها غيرها، ولا يليق بها سواها، وهي التي خلقت لها وهيئت للعمل الموصل لها إليها، ولها في كل دار من هذه الدور حكم وشأن غير شأن الدار الأخرى. 
فتبارك الله فاطرها ومنشئها ومميتها ومحييها ومسعدها ومشقيها الذي فاوت بينها في درجات سعادتها وشقاوتها كما فاوت بينها في مراتب علومها وأعمالها وقواها وأخلاقها. فمن عرفها كما ينبغي شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، وله القوة كلها، والقدرة كلها، والعز كله، والحكمة كلها، والكمال المطلق من جميع الوجوه، وعرف بمعرفة نفسه صدق أنبيائه ورسله، وأن الذي جاءوا به هو الحق الذي تشهد به العقول، وتقر به الفطر، وما خالفه هو الباطل، وبالله التوفيق.