في طبيعة الروح
وأن الروح الآدمية هي النفس
مقتطف من كتاب
الروح
في الكلام على على أرواح الأموات والأحياء
بالدلائل من الكتاب والسنة
والآثار وأقوال العلماء
لمؤلفه
محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله
المعروف بابن قيم الجوزية
المسألة السابعة عشرة وهي هل الروح قديمة أو محدثة مخلوقة؟
وإذا كانت محدثة مخلوقة وهي من أمر الله، فكيف يكون أمر الله محدثا مخلوقا؟ وقد أخبر سبحانه أنه نفخ في آدم من روحه، فهذه الإضافة إليه هل تدل على أنها قديمة أم لا؟ وما حقيقة هذه الإضافة؟ فقد أخبر عن آدم أنه خلقه بيده ونفخ فيه من روحه، فأضاف اليد والروح إليه إضافة واحدة.
فهذه مسألة زل فيها عالم، وضل فيها طوائف من بنى آدم، وهدى الله أتباع رسوله فيها للحق المبين والصواب المستبين، فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبّرة. هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، كما يعلم بالاضطرار من دينهم أن العالم حادث، وأن معاد الأبدان واقع، وأن الله وحده الخالق وكل ما سواه مخلوق له، وقد انطوى عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم، وهم القرون الفضيلة، على ذلك من غير اختلاف بينهم في حدوثها، وأنها مخلوقة، حتى نبغت نابغة ممن قصر فهمه في الكتاب والسنة، فزعم أنها قديمة غير مخلوقة، واحتج بأنها من أمر الله، وأمره غير مخلوق، وبأن الله تعالى أضافها إليه كما أضاف إليه علمه وكتابه وقدرته وسمعه وبصره ويده.
فهذه مسألة زل فيها عالم، وضل فيها طوائف من بنى آدم، وهدى الله أتباع رسوله فيها للحق المبين والصواب المستبين، فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبّرة. هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، كما يعلم بالاضطرار من دينهم أن العالم حادث، وأن معاد الأبدان واقع، وأن الله وحده الخالق وكل ما سواه مخلوق له، وقد انطوى عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم، وهم القرون الفضيلة، على ذلك من غير اختلاف بينهم في حدوثها، وأنها مخلوقة، حتى نبغت نابغة ممن قصر فهمه في الكتاب والسنة، فزعم أنها قديمة غير مخلوقة، واحتج بأنها من أمر الله، وأمره غير مخلوق، وبأن الله تعالى أضافها إليه كما أضاف إليه علمه وكتابه وقدرته وسمعه وبصره ويده.
وتوقف آخرون فقالوا : لا نقول مخلوقة ولا غير مخلوقة.
وسئل عن ذلك حافظ أصبهان أبو عبد الله بن منده فقال : أما بعد، فإن سائلا سألني عن الروح التي جعلها الله سبحانه قوام نفس الخلق وأبدانهم، وذكر أن أقواما تكلموا في الروح وزعموا أنها غير مخلوقة، وخص بعضهم منها أرواح القدس، وأنها من ذات الله، قال : وأنا أذكر اختلاف أقاويل متقدميهم، وأبين ما يخالف أقاويلهم من الكتاب والأثر، وأقاويل الصحابة والتابعين وأهل العلم، وأذكر بعد ذلك وجوه الروح من الكتاب والأثر، وأوضح خطأ المتكلم في الروح بغير علم، وأن كلامهم يوافق قول جهم وأصحابه. فنقول، وبالله التوفيق، أن الناس اختلفوا في معرفة الأرواح ومحلها من النفس.
فقال بعضهم : الأرواح كلها مخلوقة، وهذا مذهب أهل الجماعة والأثر، واحتجوا بقول النبي : «الأرواح جنود مجنده فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف« (أخرجه البخاري في [60] كتاب الأنبياء [2] باب : الأرواح جنود مجندة [الحديث : 3336]، وأخرجه مسلم في [45] كتاب : البر والصلة [49] باب : الأرواح جنود مجندة [الحديث : 159]،،،) والجنود المجندة لا تكون إلا مخلوقة.
فقال بعضهم : الأرواح كلها مخلوقة، وهذا مذهب أهل الجماعة والأثر، واحتجوا بقول النبي : «الأرواح جنود مجنده فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف« (أخرجه البخاري في [60] كتاب الأنبياء [2] باب : الأرواح جنود مجندة [الحديث : 3336]، وأخرجه مسلم في [45] كتاب : البر والصلة [49] باب : الأرواح جنود مجندة [الحديث : 159]،،،) والجنود المجندة لا تكون إلا مخلوقة.
وقال بعضهم : الأرواح من أمر الله أخفي الله حقيقتها وعلمها عن الخلق، واحتجوا بقول الله تعالى : «قل الروح من أمر ربى» (سورة الإسراء، الآية : ٨٥)...
... الوجه العاشر : النصوص الدالة على خلق الملائكة وهم أرواح مستغنية عن أجساد تقوم بها، وهم مخلوقون قبل خلق الإنسان وروحه، فإذا كان الملك الذي يحدث الروح في جسد ابن آدم بنفخته مخلوقا، فكيف تكون الروح الحادثة بنفخه قديمة؟ وهؤلاء الغالطون يظنون ان الملك يرسل إلى الجنين بروح قديمة أزلية ينفخها فيه كما يرسل الرسول بثوب إلى الإنسان يلبسه إياه، وهذا ضلال وخطأ، وإنما يرسل الله سبحانه إليه الملك فينفخ فيه نفخة تحدث له الروح بواسطة تلك النفخة فتكون النفخة هي سبب حصول الروح وحدوثها له، كما كان الوطء والإنزال سبب تكوين جسمه، والغذاء سبب نموه، فمادة الروح من نفخة الملك، ومادة الجسم من صب الماء في الرحم، فهذه مادة سماوية، وهذه مادة أرضية؛ فمن الناس من تغلب عليه المادة السماوية فتصير روحه علوية شريفة تناسب الملائكة، ومنهم من تغلب عليه المادة الأرضية فتصير روحه سفلية ترابية مهينة تناسب الأرواح السفلية، فالملك أب لروحه والتراب أب لبدنه وجسمه...
... والروح في القرآن على عدة أوجه : أحدها : الوحي، كقوله تعالى : «وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا» (سورة الشورى، الآية : ٥٢)، وقوله تعالى : « يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده» (سورة غافر، الآية : ١٥)، وسمى الوحي روحا لما يحصل به من حياة القلوب والأرواح.
الثاني : القوة والثبات والنصرة التي يؤيد بها من شاء من عباده المؤمنين، كما قال : «أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه» (سورة المجادلة، الآية : ٢٢).
الثالث : جبريل، كقوله تعالى: «نزل به الروح الأمين (١٩٣) على قلبك» (سورة الشعراء، الآية : ١٩٣)، وقال تعالى : «من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله» (سورة البقرة، الآية : ٩٧) وهو روح القدس، قال تعالى : «قل نزله روح القدس» (سورة النحل، الآية : ١٠٢).
الرابع : الروح التي سأل عنها اليهود، فأجيبوا بأنها من أمر الله، وقد قيل : إنها الروح المذكورة في قوله تعالى : «يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون» (سورة االنبأ، الآية : ٣٨) وأنها الروح المذكورة في قوله : «تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم» (سورة القدر، الآية : ٤).
الخامس : المسيح ابن مريم، قال تعالى : «إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». (سورة النساء، الآية : ١٧١)
وأما أرواح بنى آدم فلم تقع تسميتها في القرآن إلا بالنفس. قال تعالى : «يا أيتها النفس المطمئنة» (سورة الفجر، الآية : ٢٧)، وقال تعالى : «ولا أقسم بالنفس اللوامة» (سورة القيامة، الآية : ٢)، وقال تعالى : »إن النفس لأمارة بالسوء» (سورة يوسف، الآية : ٥٣)، وقال تعالى : «أخرجوا أنفسكم» (سورة الأنعام، الآية : ٩٣)، وقال تعالى : «ونفس وما سواها (٧) فألهمها فجورها وتقواها» (سورة الشمس، الآيتان : ٧و٨) وقال تعالى : «كل نفس ذائقة الموت» (سورة آل عمران، الآية : ١٥٨).
وأما في السنة، فجاءت بلفظ النفس والروح. والمقصود أن كونها من أمر الله لا يدل على قدمها وأنها غير مخلوقة.
المسألة الثامنة عشرة
وهي تقدم خلق الأرواح على الأجساد أو تأخر خلقها عنها.
فهذه المسألة للناس فيها قولان معروفان حكاهما شيخ الإسلاح وغيره; وممن ذهب إلى تقدم خلقها محمد بن نصر المروزى وأبو محمد بن حزم؛ وحكاه ابن حزم إجماعا; ونحن نذكر حجج الفريقين وما هو الأولى منها بالصواب.
قال من ذهب إلى تقدم خلقها على خلق البدن : «قال الله تعالى : «ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا» (سورة الأعراف، الآية : ١١)، قالوا ثم للترتيب والمهلة، فقد تضمنت الآية أن خلقها مقدم على أمر الله للملائكة بالسجود لآدم، ومن المعلوم قطعا أن أبداننا حادثة بعد ذلك، فعلم أنها الأرواح. قالوا : ويدل عليه قوله سبحانه : «وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى» (سورة الأعراف، الآية : ١١)، قالوا : وهذا الاستنطاق والإشهاد إنما كان لأرواحنا إذ لم تكن الأبدان حينئذ موجودة، ففي الموطأ حدثنا مالك، عن زيد ابن أبى أنيسة أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره، عن مسلم بن يسار الجهنى أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية : «وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم»، فقال : سمعت رسول الله يسأل عنها، فقال: «خلق الله آدم ثم مسح ظهره بيمينه، فإستخرج منه ذريته، فقال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون، وخلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون» فقال رجل : يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال رسول الله : «إن الله إذا خلق الرجل للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار، فيدخله به النار» (أخرجه أبو داود في [34] كتاب السنة [17] باب : في القدر [الحديث : 4703]، وأخرجه الترمذي في [48] كتاب : تفسير القرآن، [8] باب : »ومن سورة آلأعراف» [الحديث : 311]...). قال الحاكم : هذا حديث على شرط مسلم،....