النفسية الإسلامية أو التصوف
في الإسلام السلفي
(2)
Spiritisme islamique ou Soufisme
Dans l'islam salafiste
تعرض الإمام أحمد ابن تيمية إلى التصوف من باب موافقته أو مخالفته للشريعة الإسلامية مستهديا لذلك بما ورد في الكتاب والسنة وما أثر عن كبار الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم.
وللمتمعن في موقفه يرى أنه لم يكن يعادي التصوف بل أنكر منه ما لم يكن يراه موافقا للكتاب والسنة أو لم يكن مأثورا عن أحد الصحابة والتابعين. كما أنه لم يرفض من سلوكاته شيئا مما رآه من السلوك الصحيح المؤيد بالكتاب والسنة، موافقا في ذلك المعتدلين من الصوفية، وخاصة الأوائل منهم، معارضا فريقا آخر من المتأخيرن منهم ممن نحوا بالصوفية منحى رآه يبتعد عن الدين.
فموقف آبن تيمية من التصوف ليس بالموقف المعادي السلبي بالضرورة، بل هو موقف الدارس للتصوف دراسة للفكرة وللسلوك مع غاية إعادتهما إلى صراط الشريعة إذا اقتضى الأمر ذلك وتنقيتهما مما شابهما من انحرافات عبر السنين.
وسنعرض هنا لهذا الموقف لإبراز الموافقات بين التصوف والفكر السلفي. ثم تكون لنا عودة بعد ذلك لرفع الالتباس بخصوص ما يكون رفضه الإمام ابن تيمية من زاويته السلفية لنبين ما يمكن إيجاده من إئتلاف بين بقية الجوانب الصوفية والإسلام من زواية نظر أخرى، غير سلفية بالضرورة دون أن تكون غير إسلامية.
أما الآن، فنبدأ بالتصوف من زاوية نظر ابن تيمية، وقد قام بحق بدراسة معمقة لفكرة التصوف، تعرض فيها إلى كل جوانب ما عرف عن الصوفية. فتحدث عن أصل الصوفية وعلاقة الفقر بها. كما تحدث عن أهل الصفة، من كانوا وما أصل تسميتهم وما كانت حالهم وسبب تفضيلهم هلى غيرهم في الإسلام.
وتحدث أيضا عن مصطلح هام عند المتصوفة، ألا وهو الفتوة، فذكر أصل هذه الكلمة وما كانت حال المتسمين بالفتوة وشروطهم. وتعرض إلى موضوع الفقر والغنى، وهل الفقير أفضل من الغني؟ كما عرض إلى أمر الحمد والشكر.
وبالطبع، درس مطولا موضوع الأولياء، مفرقا بين أولياء الله وأولياء الشيطان، ذاكرا من هم وما تكون صفتهم وما هي الأسماء التي تسموا بها. كما بين الفرق بين الأنبياء والأولياء وفضل الأنبياء على هؤلاء. وعرض أيضا إلى ما عرف عند المتصوفة من كرامات وفرق بينها وبين المعجزات.
كل هذا ورد بالمجلد الحادي عشر من مجموع فتاوى شيخ الإسلام وهوخاص بالإسلام، وقد جمعه ورتبه عبد الرحمن العاصمي النجدي الحنبلي.
ومنه نقتطف اليوم ما يلي في تعريف التصوف :
أما لفظ «الصوفية» فإنه لم يكن مشهورا في القرون الثلاثة، وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك، وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ، كالإمام أحمد بن حنبل، وأبي سليمان الداراني (زاهد مشهور، من داريا، بغوطة دمشق)، وغيرهما. وقد روي عن سفيان الثوري أنه تكلم به، وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري، وتنازعوا في «المعني» الذي أضيف إليه الصوفي، فإنه من أسماء النسب : كالقرشي، والمدني، وأمثال ذلك.
فقيل : إنه نسبة إلى «أهل الصفة»، وهو غلط؛ لأنه لو كان كذلك لقيل : صُفّي.
وقيل نسبة إلى الصف المقدّم بين يدي الله، وهو أيضا غلط؛ فإنه لو كان كذلك، لقيل : صَفَوي.
وقيل نسبة إلى الصَفوة من خلق الله، وهو غلط؛ لأنه لو كان كذلك لقيل : صَفَوي.
وقيل : نسبة إلى صوفة بن أد بن طابخة، قبيلة من العرب (بطن من مضر، من العدنانيين) كانوا يجاورون بمكة من الزمن القديم ينسب إليهم النساك، وهذا وإن كان موافقا للنسب من جهة اللفظ، فإنه ضعيف أيضا لأن هؤلاء غير مشهورين ولا معروفين عند أكثر النساك، ولأنه لو نسب النساك إلى هؤلاء لكان هذا النسب في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم أولى، لأن غالب من تكلم باسم «الصوفي» لا يعرف هذه القبيلة، ولايرضى أن يكون مضافا إلى قبيلة في الجاهلية لا وجود لها في الإسلام.
وقيل : _ وهو المعروف _ أنه نسبة إلى لبس الصوف، فإنه أول ما ظهرت الصوفية في البصرة، وأول من بنى دويرة الصوفية بعض زصحاب عبد الواحد بن زيد وعبد الواحد من أصحاب الحسن (البصري، الإمام المشهور)؛ وكان في البصرة من المبالغة في الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك ما لم يكن في سائر الأمصار، ولهذا كان يقال : فقه كوفي، وعبادة بصرية. وقد روى أبو الشيخ الزصبهاني باسناده عن محمد بن سيرين أنه بلغه أن قوما يفضلون لباس الصوف، فقال : إن قوما يتخيرون الصوف، يقولون : إنهم متشبهون بالمسيح بن مريم، وهدي نبينا أحب إلينا، وكان النبي (صلعم) يلبس القطن وغيره، أو كلاما نحوا من هذا.