Pas à pas... خطوة بخطوة

بحوث في النَفَسِيّة

إنسياق متموضع

Recherches Spirites


Dérive situationniste


« Naître, mourir, renaître encore et progresser sans cesse, telle est la loi »

« ولادة ثم ممات ثم ولادة مجددا مرة بعد أخرى، فتطور دون هوادة؛ تلك هي سنة الحياة !»

De l'âme à l'Esprit من الروح إلى النفس

خلافا لما يذهب إليه البعض، من باب التعريب الحرفي، من ترجمة Spiritisme إلى الأرواحية، فإني أعتقد أن أفضل ترجمة لهذه الكلمة هي ما ارتأيت وكما أبينه في هذه المدونة؛ فالترجمة الأفضل لكلمة Esprit هي النفس، بينما تبقى الروح مرادفة لكلمة Âme؛ وبذلك يكون التعريب الآصح لكلمة Spiritisme هو : النفسية، بتحريك النون والفاء.

Esprit et âme en islam (3) النفس والروح في الإسلام

النفس والروح في الإسلام حسب ابن قيم الجوزية

تعرضنا في المقالين السابقين إلى ماهية الروح والنفس ومقالة الإسلام فيهما. ونختم هنا مقالاتنا هذه بإيراد مقتطفات من كتاب هام لابن قيم الجوزية عنونه : الروح، وأورد فيه من الكلام ما يشفي الغليل عي أرواح الأموات والأحياء بالدلائل من الكتاب والسنة والآثار وأقوال العلماء.

وسنعود إلى هذا الكتاب لاحقا لإيراد مقتطفات هامة منه تتعلق بمواضيع متنوعة تناولتها المسائل التي تعرض إليها  وهي 21 مسألة منها : هل تتلاقى أرواح الأحياء وأرواح الأموات أم لا؟ (المسألة 3) وأن الروح هل تموت أم الموت  للبدن وحده؟ (المسألة 4) وأين مستقر الأرواح ما بين الموت إلى يوم القيامة؟ هل هي في السماء أم في الأرض؟ وهل هي في الجنة أم لا؟ وهل تودع في أجساد غير أجسادها التي كانت فيها فتنعم وتعذب فيها، أم تكون مجردة؟ (المسألة 15) وهل تنتفع أرواح الموتى بشيء من سعي الأحياء أم لا؟ (المسألة 16) وهل الروح قديمة أو محدثة مخلوقة (المسألة 17) وتقدم خلق الأرواح علي الأجساد أو تأخر خلقها عنها (المسألة 18) وما حقيقة النفس؟ هل هي جزء من أجزاء البدن، أو عرض من أعراضه، أو جسم مساكن له مودع فيه أو جوهر مجرد؟ وهل هي الروح أو غيرها؟ وهل الأمارة أو اللوامة والمطمئنة نفس واحدة لها هذه الصفاة أم هي ثلاث أنفس؟ (السألة 19) وهل النفس والروح شيء واحد أو شيئان متغايران؟ (المسألة 20) وهل النفس واحدة أم ثلاث؟ (المسألة 21).     
أما في خاتمتنا لهذه الثلاثية، فإليكم المسألة قبل الأخيرة برمتها كما تعرض إليها تلميذ الإمام ابن تيمية هذا.
المسألة العشرون
 وهي هل النفس والروح شيء واحد أو شيئان متغايران؟
 فأختلف الناس في ذلك.  
فمن قائل : إن مسماهما واحد، وهم الجمهور. 
ومن قائل : إنهما متغايران.
ونحن نكشف سر المسألة بحول الله وقوته، فنقول :
النفس تطلق على أمور. 
أحدها : الروح. قال الجوهري : النفس : الروح. يقال : خرجت نفسه؛ قال أبو خراش :
      نجما سالما والنفس منه بشدقه ... ولم ينج إلا جفن سيف ومئزر
أي بجفن سيف ومئزر. والنفس : الدم. يقال : سألت نفسه؛ وفي الحديث : ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه. والنفس : الجسد. قال الشاعر :
              نبئت أن بني تميم أدخلوا ... أبناءهم تامور نفس المنذر
والتامور : الدم. والنفس : العين، يقال : أصابت فلانا، أي عين.
قلت : ليس كما قال، بل النفس ها هنا الروح، ونسبة الإضافة إلى العين توسع لأنها تكون بواسطة النظر المصيب، والذي أصابه إنما هو نفس العائن كما تقدم. 
قلت : والنفس في القرآن تطلق على الذات بحملتها، كقوله تعالى : «فسلّموا على أنفسكم» (سورة النور، الآية : ٦١)، وقوله تعالى : «يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها» (سورة النحل، الآية : ١١١)، وقوله تعالى : «كل نفس بما كسبت رهينة» (سورة المدثر، الآية : ٣٨)؛ وتطلق على الروح وحدها، كقوله تعالى: «يا أيتها النفس المطمئنة» (سورة الفجر، الآية : ٢٨)، وقوله تعالى : «أخرجوا أنفسكم» (سورة الأنعام الآية : ٩٣)، وقوله تعالى : «ونهى النفس عن الهوى» (سورة النازعات، الآية : ٤٠)، وقوله تعالى : «إن النفس لأمارة بالسوء» (سورة يوسف، الآية : ٥٣). 
وأما الروح فلا تطلق على البدن لا بإنفراده ولا مع النفس، وتطلق الروح على القرآن الذي أوحاه الله تعالى إلى رسوله، قال تعالى : «وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا» (سورة الشورى الآية : ٥٢). وعلى الوحي الذي يوحيه إلى أنبيائه ورسله، قال تعالى : «يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق» (سورة غافر، الآية ١٥)، وقال تعالى : «ينزّل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فإتقون» (سورة النحل، الآية ٢)، وسمى ذلك روحا لما يحصل به من الحياة النافعة، فإن الحياة بدونه لا تنفع صاحبها البتة، بل حياة الحيوان البهيم خير منها وأسلم عاقبة.
وسميت الروح روحا لأن بها حياة البدن، وكذلك سميت الريح لما يحصل بها من الحياة، وهي من ذوات الواو ولهذا تجمع على أرواح، قال الشاعر :
      إذا ذهبت الأرواح من نحو أرضكم ... وجدت لمسرها على كبدي بردا
ومنها الروح والريحان والاستراحة، فسميت النفس روحا لحصول الحياة بها، وسميت نفسا إما من الشيء النفيس لنفاستها وشرفها، وإما من تنفس الشيء إذا خرج، فلكثرة خروجها ودخولها في البدن سميت نفسا، ومنه النفَس بالتحريك، فإن العبد كلما نام خرجت منه، فإذا استيقظ رجعت إليه، فإذا مات خرجت خروجا كليا، فإذا دفن عادت إليه، فإذا سئل خرجت، فإذا بعث رجعت إليه. 
فالفرق بين النفس والروح فرق بالصفات لا فرق بالذات.
وإنما سمي الدم نفسا لأن خروجه الذي يكون معه الموت يلازم خروج النفس، وإن الحياة لا تتم إلا به، كما لا تتم إلا بالنفس، فلهذا قال :
         تسيل على حد الظباة نفوسنا ... وليست على غير الظباة تسيل 
 ويقال : فاضت نفسه، وخرجت نفسه، وفارقت نفسه، كما يقال : خرجت روحه، وفارقت، ولكن الفيض الاندفاع وهلة واحدة، ومنه الإفاضة، وهي الاندفاع بكثرة وسرعة، لكن أفاض : إذا دفع بإختياره وإرادته، وفاض : إذا اندفع قسرا وقهرا، فالله سبحانه هو الذي يفيضها عند الموت فتفيض هي. 
فصل 
وقالت فرقة أخرى من أهل الحديث والفقه والتصوف : الروح غير النفس.
قال مقاتل بن سليمان : للإنسان حياة وروح ونفس، فإذا نام خرجت نفسه التي يعقل بها الأشياء ولم تفارق الجس،د بل تخرج كحبل ممتد له شعاع فيرى الرؤيا بالنفس التي خرجت منه، وتبقى الحياة والروح في الجسد فيه يتقلب ويتنفس، فإذا حرك رجعت إليه أسرع من طرفة عين، فإذا أراد الله عز و جل أن يميته في المنام أمسك تلك النفس التي خرجت. وقال أيضا : إذا نام خرجت نفسه فصعدت إلى فوق، فإذا رأت الرؤيا رجعت فأخبرت الروح ويخبر الروح فيصبح يعلم أنه قد رأى كيت وكيت.
قال أبو عبد الله بن منده : ثم اختلفوا في معرفة الروح والنفس، فقال بعضهم : النفس طينية نارية، والروح نورية روحانية. 
وقال بعضهم : الروح لاهوتية والنفس ناسوتية. وإن الخلق بها ابتلي.
وقالت طائفة، وهم أهل الأثر : إن الروح غير النفس، والنفس غير الروح، وقوام النفس بالروح، والنفس صورة العبد، والهوى والشهوة والبلاء معجون فيها، ولا عدو أعدى لابن آدم من نفسه، فالنفس لا تريد إلا الدنيا ولا تحب إلا إياها، والروح تدعو إلى الآخرة وتؤثرها، وجعل الهوى تبعا للنفس، والشيطان تبع النفس والهوى، والملك مع العقل والروح، والله تعالى يمدهما بإلهامة وتوفيقه.
وقال بعضهم : الأرواح من أمر الله أخفى حقيقتها وعلمها على الخلق.
وقال بعضهم : الأرواح نور من نور الله، وحياة من حياة الله.
ثم اختلفوا في الأرواح هل تموت بموت الأبدان والأنفس، أو لا تموت؟
فقالت طائفة : الأرواح لا تموت ولا تبلى. 
وقالت جماعة : الأرواح على صور الخلق لها أيد وأرجل وأعين وسمع وبصر ولسان. 
وقالت طائفة : للمؤمن ثلاثة أرواح، وللمنافق والكافر روح واحدة.
وقال بعضهم : للأنبياء والصديقين خمس أرواح. 
وقال بعضهم : الأرواح روحانية خلقت من الملكوت، فإذا صَفت رجعت إلى الملكوت. 
قلت : أما الروح التي تتوفى وتقبض فهي روح واحدة، وهي النفس. وأما ما يؤيد الله به أولياءه من الروح فهي روح أخرى غير هذه الروح، كما قال تعالى : «أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه» (سورة المجادلة، الآية : ٢٢). وكذلك الروح الذي أيد بها روحه المسح ابن مريم، كما قال تعالى : «إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدك بروح القدس» (سورة المائدة، الآية : ١١٠)، وكذلك الروح التي يلقيها على من يشاء من عباده هي غير الروح التي في البدن. 
وأما القوى التي في البدن، فإنها تسمى أيضا أرواحا، فيقال : الروح الباصر والروح السامع والروح الشامّ، فهذه الأرواح قوى مودعة في البدن تموت بموت الأبدان، وهي غير الروح التي لا تموت بموت البدن، ولا تبلى كما يبلى. ويطلق الروح على أخص من هذا كل، وهو قوة المعرفة بالله والإنابة إليه، ومحبته وانبعاث الهمة إلى طلبه وإرادته. ونسبة هذه الروح إلى الروح كنسبة الروح إلى البدن، فإذا فقدتها الروح كانت بمنزلة البدن إذا فقد روحه، وهي الروح التي يؤيد بها أهل ولايته وطاعته، ولهذا يقول الناس : فلان فيه روح، وفلان ما فيه روح، وهو : بَوّ، وهو قصبة فارغة، ونحو ذلك. 
فللعلم روح، وللإحسان روح، وللإخلاص روح، وللمحبة والإنابة روح، وللتوكل والصدق روح، والناس متفاوتون في هذه الأرواح أعظم تفاوت، فمنهم من تغلب عليه هذه الأرواح فيصير روحانيا، ومنهم من يفقدها أو أكثرها فيصير أرضيا بهيميا؛ والله المستعان.